عنوان الفتوى : الاستعفاف عن الزنا مأمور به معان عليه
شكرا على الإجابة على
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما وجه حصول الإحباط من معرفة معنى الحديث!! فليس في جوابنا السابق ما يدعو إلى ذلك، فغايته التفريق بين العفة التامة في جانب المال، وفي جانب الشهوات.. فالمال الحرام والمشبوه يتورع عنه بالكلية كثير من المؤمنين، في حين لا يكاد يسلم منهم أحد من اشتهاء ما لا يجوز له من النساء، أو نظرة إلى ما لا يجوز ـ وهي من زنا العين ـ وهذا تكفره الأعمال الصالحة من الوضوء والصلاة والذكر والتلاوة وغيرها، فضلا عن التوبة الصادقة.
وأما عفة الفرج عن الزنا: فهذا أمر آخر، وهو بحمد الله متيسر لكثير من الناس، وقد نصت الفتوى السابقة على الفرق بين ذلك، وبين عفة القلب والجوارح، ففيها: وأما العفة عن شهوة فرج، فهي وإن تيسرت لكثير من الناس عن زنا الفرج، إلا زنا القلب بالتمني، وفعل الجوارح من العينين والأذنين واليدين والرجلين، لا يتحقق بالكامل في حق عامة البشر، والنادر لا حكم له.
ولذلك، فإننا نتعجب من فهم السائلة وقولها: وهذا يعني أن من يستعفف عفة الفرج لن يعفه الله؟!! فمن قال هذا؟ ومن أين أخذ من الجواب السابق؟! ثم إننا قد أشرنا إلى أن الشيخ ابن عثيمين قد جرى في شرح هذا الحديث على عفة الفرج، وأما الذي جرى عليه عامة الشراح فهو العفة في جانب المال، وهذا هو الصحيح اللائق بسبب ورود الحديث وسياقه، كما سبق بيانه.
وعلى أية حال، فحسبنا في عفة الفرج عن الزنا قول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 33}.
قال الإمام الشافعي في الأم: يشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به، فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله. اهـ.
وقال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: وليستعفف ـ أي ليطلب العفة عن الزنا. اهـ.
وقال الواحدي في التفسير الوسيط: أي: وليطلب العفة عن الزنا والحرام من لا يجد ما ينكح به من صداق ونفقة. اهـ.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: هذا الاستعفاف المأمور به في هذه الآية الكريمة، هو المذكور في قوله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ـ وقوله تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ـ ونحو ذلك من الآيات. اهـ.
وحسبنا في ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم. رواه أحمد، وحسنه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه الترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 128828.
كما يمكن أن يستشهد لذلك بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يُعْطَه، ومن يتوق الشر يُوَقَّه. رواه الخطيب البغدادي، وحسنه الألباني.
قال العزيزي في شرح الجامع الصغير: أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه الله تعالى إياه، ومن يتوق الشر: أي يتجنب ما نهى الله ورسوله عنه: يوقه ـ بالبناء للمفعول أي يوق ما يترتب عليه من الإثم والعقاب، أو من يقصد كف نفسه عن الشر يعنه الله تعالى على ذلك. اهـ.
والله أعلم.