عنوان الفتوى : كيف تكون التوبة من الردة؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم من ارتد ثم لم يرجع للإسلام مباشرة كسلا منه، وظل على ذلك فترة، ثم نطق الشهادتين وتاب من سبب ردته، ولكنه لم يتب من تأخير العودة للإسلام؟ وهل رجوعه للإسلام صحيح أم لا؟ وهل تأخير الرجوع للإسلام يعتبر رضى بالكفر أو إصرارا عليه؟ وإذا كان كذلك، فهل نطقه للشهادتين للرجوع عن ردته يلغي كل ذلك؟ أم رجوعه غير صحيح وكانت تلزمه التوبة من تأخير الرجوع للإسلام؟.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فإن التوبة من الردة تكون بنطق الشهادتين، ثم إن كانت الردة بسبب جحد معلوم من الدين بالضرورة فلابد من الإقرار به مع النطق بالشهادتين، ومهما طال زمن الردة فلا يجب على المرتد العائد إلى الإسلام غير هذا، ودخوله في الإسلام يمحو الله عنه به كل ذنب، فإن الإسلام يهدم ما كان قبله، فيكفيه الإسلام لمحو جميع ذنوبه السابقة، ولا تلزمه التوبة من تفاصيل هذه الذنوب، لقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال:38}.

قال القرطبي: قوله تَعَالَى: إِنْ يَنْتَهُوا ـ يُرِيدُ عَنِ الْكُفْرِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَابُدَّ، وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ جَوَابُ الشَّرْطِ: يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ـ وَمَغْفِرَةُ مَا قَدْ سَلَفَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمُنْتَهٍ عَنِ الْكُفْرِ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ أَبُو سَعِيدِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ: يَسْتَوْجِبُ الْعَفْوَ الْفَتَى إِذَا اعْتَرَفْ... ثُمَّ انْتَهَى عَمَّا أَتَاهُ وَاقْتَرَفْ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْمُعْتَرِفْ... إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ـ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي شَمَّاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ يَبْكِي طَوِيلًا، الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ـ الْحَدِيثَ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذِهِ لَطِيفَةٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مَنَّ بِهَا عَلَى الْخَلْقِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ يَقْتَحِمُونَ الْكُفْرَ وَالْجَرَائِمَ، وَيَرْتَكِبُونَ الْمَعَاصِيَ وَالْمَآثِمَ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ مُؤَاخَذَةً لَهُمْ لَمَا اسْتَدْرَكُوا أَبَدًا تَوْبَةً وَلَا نَالَتْهُمْ مَغْفِرَةٌ فَيَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَبُولَ التَّوْبَةِ عِنْدَ الْإِنَابَةِ، وَبَذْلَ الْمَغْفِرَةِ بِالْإِسْلَامِ، وَهَدَمَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَقْرَبَ لِدُخُولِهِمْ فِي الدِّينِ، وَأَدْعَى إِلَى قَبُولِهِمْ لِكَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يُؤَاخَذُونَ لَمَا تَابُوا وَلَا أَسْلَمُوا. انتهى.

فإذا علمت هذا تبين لك أن الداخل في الإسلام سواء كان كافرا أصليا أو مرتدا لا يلزمه تعيين كل ذنب فعله ليتوب منه، وأنه بمجرد دخوله في الإسلام، أو عوده إليه يمحى عنه جميع ما اقترفه من الذنوب؛ منة من الله على عباده ورحمة منه لهم.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
مذهب ابن تيمية في نكاح زوجة المرتد
لو أسرّ شخص أمرَ ردّته لآخر، فهل يجوز له إخبار أهل المرتد بذلك؟
فتاوى في أحكام من سب الدين
هل يقام الحد على الصبي المميز إذا سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم؟
محل وجوب الإقرار اللفظي من المرتد في توبته
هل يجب إخبار الزوجة بالردة والرجوع إلى الإسلام؟
هل من تعارض بين عدم إهلاك الله لإبليس والحكم على المرتد بالقتل؟
مذهب ابن تيمية في نكاح زوجة المرتد
لو أسرّ شخص أمرَ ردّته لآخر، فهل يجوز له إخبار أهل المرتد بذلك؟
فتاوى في أحكام من سب الدين
هل يقام الحد على الصبي المميز إذا سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم؟
محل وجوب الإقرار اللفظي من المرتد في توبته
هل يجب إخبار الزوجة بالردة والرجوع إلى الإسلام؟
هل من تعارض بين عدم إهلاك الله لإبليس والحكم على المرتد بالقتل؟