عنوان الفتوى : حكم الوصية بجعل كفنين في المسجد على أن من انتفع بأحدهما ردّ بدله
وضع أحد الأشخاص كفنًا لرجل، وكفنًا لامرأة في المسجد، وقد أوصى هذا الرجل أنه إذا توفي لأحدٍ شخص وأخذ أحد الكفنين أعاد مكانه كفنًا غيره، فهل يجوز وضع الكفن في المسجد بهذه الطريقة بحيث سيظل موجودًا في المسجد زمنًا طويلًا؟ وهل هذا الفعل صحيح من الأساس؟ وهل يترتب عليه ثواب؟ أم هو بدعة مستنكرة؟ وإذا كان لا بأس بوضع الكفن في المسجد، فأرجو الدليل على ذلك. وجزاكم الله خيرًا، وأسأله سبحانه أن ينفع بنا وبكم الإسلام، والمسلمين، وأسألكم الدعاء لي.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فوصية الرجل بجعل كفنين في المسجد على أن من انتفع بهما، أو بأحدهما رد بدله يمكن تكييفه على أنه وقف، وإذا كان كذلك فيصح لدى من قال بصحة وقف ما تكون منفعته باستهلاكه، فيقرض لمن ينتفع بإنفاقه، ويرد بدله، فإذا رد بدله أقرض لغيره، وهكذا؛ وحينئذ ينزل رد بدله منزلة بقاء عينه، جاء في الشرح الكبير للدردير: وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلا تَرَدُّدَ فِيهَا، بَلْ يَجُوزُ وَقْفُهَا قَطْعًا؛ لأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمُرَادُ وَقْفُهُ لِلسَّلَفِ، وَيُنَزَّلُ رَدُّ بَدَلِهِ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.
وقد فصل القول في ذلك الشيخ عَبْدُ اللهِ بْن عَبد المُحْسِن التّركيّ في كتابه: المعاملات المالية أصالة ومعاصرة ـ فقال: اختلف العلماء في صحة وقف النقود: الدراهم، والدنانير، ويدخل فيها المطعوم، والشمع، وكل عين تكون منفعتها باستهلاكها...
والقول الثالث: يصح وقفها، وهو مذهب المالكية، وأحد الوجهين في مذهب الشافعية، ووجه في مذهب الحنابلة، رجحه ابن تيمية، وهو مقتضى قول محمد بن الحسن، حيث يرى أن المنقول إذا جرى التعامل بوقفه صح وقفه، قال في الاختيار: والفتوى على قول محمد؛ لحاجة الناس، وتعاملهم بذلك، وقيل: وقفها يكون بإقراضها، وينزل رد بدل القرض منزلة بقاء العين. انتهى منه بتصرف يسير.
وعلى القول بصحة ذلك وجوازه؛ فتكيف الوصية على أنها وقف؛ ليقرض الكفنان لمن احتاج إليهما، على أن يرد بدلهما، وربما تدعو الحاجة إلى ذلك، فلا يكون لدى أهل الميت كفن، أو وقت لشراء الكفن، فيستعملون الكفن الموقوف، ثم يردون بدله، وفي ذلك تيسير عليهم وثواب للواقف -بإذن الله-.
وأما وضعه بالمسجد، أو ملحقاته: فلا حرج فيه، قال البخاري -رحمه الله-: باب القسمة، وتعليق القنو في المسجد.
والحديث الذي أشار إليه البخاري في الترجمة، ولم يخرجه، هو ما أورده الترمذي في سننه، وفيه:... وكان الرجل يأتي بالقنو، والقنوين، فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر، فيأكل...
وقد ذكر ابن بطال في شرحه للبخاري عن المهلب قال: فيه وضع ما الناس مشتركون فيه من صدقة، أو غيرها في المسجد؛ لأن المسجد لا يُحجب أحد من ذوى الحاجة من دخوله، والناس فيه سواء، وكذلك أمور جماعة المسلمين يجب أن تعمل في المسجد.
وعلى هذا؛ فلا حرج في ذلك -إن شاء الله تعالى-.
والله أعلم.