عنوان الفتوى : أحكام فيمن قال: أعاهد الله على كذا، وحلف بالله على عدم فعل كذا
قبل سنوات كنت وعدت الله بترك معصية، ثم فعلتها، وأيضا وعدت الله على أشياء أخرى أظن مرتين، ولم أفعل، وأتذكر أني في مرة من المرات حلفت بالله أني لن أفعل كذا، وفعلت، ولم أف بوعدي، وأظن أني في تلك الفترة لم أكن أعلم أن علي كفارة. فهل علي كفارة أم لا؟ وما حكم تأخيرها؟ ولن أستطيع إطعام مساكين، ولا كسوتهم. فهل يجوز صيام ٣ أيام؟ سؤال: هل الوعد والعهد والحلف، لا بد أن يكون بالتلفظ باللسان، أم يكون أيضا بالقلب؟ فإذا مثلا وعدت الله بشيء، أو حلفت على شيء فقط في نيتي بدون التلفظ. هل يعتبر حلفا أو وعدا أم لا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالمفتى به عندنا فيمن قال "أعاهد الله على كذا" أنها تارة تكون يميناً ونذراً، وتارة يميناً فقط، فمن التزم بها قربة وطاعة، فهي نذر ويمين، كما لو قال "أعاهد الله أن أحج هذا العام"، وكما في قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. [التوبة:75]، وإن التزم بها ما ليس بقربة، فهي يمين لا نذر، كما لو قال "أعاهد الله ألا أكلم فلاناً"
وإلى هذا التفصيل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية فقال رحمه الله: فإذا قال أعاهدُ الله أني أحج العام، فهو نذر وعهد ويمين، وإن قال لا أكلم زيداً فيمين وعهد لا نذر. اهــ.
وانظري التفصيل في الفتوى رقم: 135742.
وأما حلفك بالله تعالى على عدم فعل كذا -كما ذكرت- فهذه يمين صريحة، وتلزمك بالحنث فيها كفارة يمين، وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة على التخيير بين الثلاثة، فمن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. [المائدة:89]. فإن عجزت عن العتق والإطعام والكسوة -كما ذكرت- فصومي ثلاثة أيام.
واليمين والنذر والعهد لا يقع بمجرد النية بدون تلفظ، فمجرد حديث نفس، لا يترتب عليه شيء.
جاء في كشاف القناع : فَإِنْ نَوَاهُ - أَيْ النَّذْرَ - النَّاذِرُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ، كَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِ الْقَوْلِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ... اهـ.
والله تعالى أعلم.