عنوان الفتوى : مسائل في أخذ الأجرة على الإمامة وطلب الرزق
أنا شاب ملتزم والحمد لله، أعيش مع أمي وحدنا، المشكلة أن أختي وزوجها يصرفون علينا ويدفعون الإيجار، وصدر منهما إشارات كأنهم تضايقوا من حالتي، وأنا أرغب أن أعف نفسي، وأعف أمي، لكن يا شيخ: أخشى على ديني من الفتنة، فهنا لا يرّحبون كثيرا بمن يتظاهر بدينه، ولا يراعون محافظتك على الصلاة في وقتها، ويفرضون الاختلاط، وإني أخشى الفتنة على ديني، كما أني بفضل الله عليّ أسعى في طلب العلم عبر دروس بالأنترنت، وأسعى لحمل كتاب الله عز وجل، والآن بمجرّد التفكير في مسألة العمل وتحصيل المال أجد نفسي منشغلا عن ذلك الخير. وإني لأكره أن يصيبني ركون إلى الدنيا، وأن أجد نفسي أركض وراء الرّزق، وهو محسوم أمره عند الله عز وجل . أعلم أنه يجب الأخذ بالأسباب لكن كما أخبرتكم عن التضييقات، وخطر الفتنة يا شيخ . كما أني قليل العلاقات العامّة، ولا أخالط الكثير من النّاس، لا أقول إني في عزلة لكن مقتصر على القليل . ومنذ فترة قصيرة سمعت بدورة لتكوين أئمة المساجد، وأحببت أن أسجل فيها، وإذا أصبحت إماما من الممكن أن يعطونني مسكنا ومرتبا بسيطا، والذي جعلني مترددا هو أنهم قد يدرسوننا عقيدة فيها بعض الشبه وهي العقيدة الأشعرية، ثم قلت في نفسي: سأتجاهل دروس العقيدة التي يعطوننا إياها وأحاول اجتنابها .. ثم إني أضمرت في نفسي رغبة في الحصول على مسكن كي أعف نفسي وأمي من مال أختي وزوجها الذي يعمل في بنك، ونرتاح من الإيجار الذي زاد ثمنه مؤخرا، وأريد بذلك أيضا الوقاية من الفتن فأكون قد وُقيت شرّا كثيرا، إذا أصبحت إماما في مسجد فلا أكون عرضة لكثير من الفتن في ديني، ويسعني التفرّغ للعلم وللقرآن، لكني خشيت أن أكون ممن يلتمس الدنيا بعمل الآخرة ؟ فهل من نصيحة يا شيخ فيما يخص طلب الرزق، وهل أُقدم على دورة تكوين الأئمة ؟ بارك الله فيكم، وزادكم علما و نفع بكم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يرزقك العلم النافع ، وأن يصرف عنك الفتن.
وننصحك بالسعي في طلب الرزق لتغني نفسك عن التطلع لما في يد الغير، وتعيل والدتك، وتكوِّن أسرتك حتى لا تكون عالة على الناس، وألا تفتح للنفس والشيطان أبواب مخادعتك بالركون إلى الدعة والبطالة بدعوى الفرار من الفتن، أو طلب العلم الشرعي، فالسعي في طلب الرزق عبادة عظيمة، وهي أولى وآكد من طلب العلم الذي ليس فرض عين كما بيناه في الفتوى رقم: 44674، والفتوى رقم: 139420 . والتدين الصحيح والاستقامة الصادقة تنفّر المرء عن تكفف الناس، واستجدائهم والعيش على أوساخهم، وأي خير في طلب علم يجعل المرء عائلا وكلّاً على الناس؟!
فنوصيك بالاطلاع على جزء (الحث على التجارة والصناعة والعمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل والحجة عليهم في ذلك) للخلال، وعلى فصل (ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي ادعاء التوكل وقطع الأسباب وترك الاحتراز فِي الأموال) من كتاب تلبيس إبليس لابن الجوزي، فستجد فيها نصوصا شرعية وآثارا وفيرة في الحض على السعي في طلب الرزق، والزجر عن القعود والتواني عنه.
وأما ما يتعلق بالالتحاق بدورة يدرس فيها اعتقاد مخالف لاعتقاد أهل السنة والجماعة: فإن كنت على علم تأمن معه على نفسك من التأثر بتلك العقائد فلا حرج عليه في الدراسة، كما سبق في الفتوى رقم: 120484، والفتوى رقم:233395 بل قد يكون في دراستك لها واطلاعك على ما فيها من حق لتأخذ به، وما فيها باطل لتجتنبه أمر مفيد.
وأما عن الإمامة وما يؤخذ عليها من عوض مادي: فما كان رزقا من بيت المال، فلا حرج على الإمام في أخذه، كما سلف في الفتوى رقم: 120106 ، والفتوى رقم: 25060.
لكن على المسلم أن يجعل قصده أولا بالإمامة وجه الله جل وعلا، والتقرب إليه، وألا يكون راتب الإمامة قصده الأساس. سئل الدكتور صالح الفوزان : أنا موظف بمديرية الأوقاف بوظيفة مقيم شعائر دينية ؛ بمعنى : أنني أقوم بالإمامة وآخذ على ذلك مرتبًا فهل هذا يجوز ؟ مع العلم أنه ليس لي مصدر رزق آخر . فأجاب : لا بأس أن تقوم بالإمامة وأن تأخذ ما خصص للإمام من بيت المال من الإعانة ؛ لأن هذا يعينك على طاعة الله . هذا إذا لم يكن قصدك طمع الدنيا ، وإنما قصدك ما عند الله سبحانه وتعالى ، وتقوم بهذه الإمامة رغبة في الخير ، وتأخذ هذه الإعانة لأجل سد حاجتك للتفرغ للإمامة ؛ فهذا لا حرج فيه ، بل هو من الإعانة على طاعة لله عز وجلَّ ، والعبرة بالمقاصد . أما إذا كان قصد الإنسان طمع الدنيا ، واتخاذ العبادة وأعمال الطاعة وسيلة لتحصيل الدنيا ؛ فهذا لا يجوز ، وهو عمل باطل قال تعالى : { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون } [ سورة هود : آية 15، 16 ] . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس، وإذا شيك؛ فلا انتقش ) رواه البخاري في صحيحه . فلا يكون المؤمن في عمله وعبادته يقصد طمع الدنيا، وإنما يقصد وجه الله سبحانه وتعالى، ويأخذ ما تيسر من الدنيا للاستعانة بذلك على طاعة الله . اهـ. من المنتقى من فتاواه.
والله أعلم.