عنوان الفتوى : الأدلة على تحريم العادة السرية
لم أجد من يجيبني عن سؤالي، فلا تخذلوني وأجيبوني عن سؤالي -جزاكم الله خيرًا-. يحتج من يحرم الاستمناء بآية:{والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم...} ، فيقولون: إن الله نفى كل أحد سوى الزوجة، وملك اليمين؛ وعليه حرموا أن يستمتع بغيرهما، ولو كان مع نفسه، أفليس من حفظ الفرج عدم نظر الشخص إلى فرجه، أو عدم لمسه بشهوة، أو بدون شهوة؟ فإذا كان ذلك من حفظ الفرج، فلماذا يقال: إن نظر الشخص لفرجه، أو لمسه لفرجه، سواء بيده اليمنى أم بيده اليسرى، أو الاحتكاك بشيء بدون شهوة، أو بشهوة دون إنزال - حلال، أما الاستمناء فإنه حرام في الغالب؟ ومن المعروف أنه يدخل في مسألة "حفظ الفرج" حفظه من أن يمسه، أو أن ينظر إليه أحد سوى الزوجة، أو ملك اليمين، فقد يقول أحد: إنه يحرم عليه أن ينظر إلى فرجه قياسًا على ما ذكر، وقد يجاب عن هذا أن نظره لفرجه جائز، وأنه لا يوجد نص قطعي يحرمه، وعندها يمكن أن يقال: إنه لا يوجد أيضًا نص قطعي يحرم الاستمناء، وأنه أجازه بعض الصحابة. والذي يتبين لي -والله أعلم- أن الآية تتحدث عن العلاقة الجنسية بين شخصين، فهي تمنع هاته العلاقة إلا مع الزوجة وملك اليمين، أما الإنسان مع نفسه فلا أجد فيها ما يفيد ذلك، والذي يظهر لي أن ما ذكرته في سؤالي إيراد قوي؛ لأن الاستمناء ليس نظيرًا لما ذكر في الآية، ولعل هذا هو الذي جعل القائلين بالإباحة من السلف لا يستدلون بها، والله أعلم. هذه فقط خواطر قد تكون من الشيطان، أكتبها إليكم عسى أن توضحوا لي الحق، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجمهور أهل العلم على تحريم الاستمناء، وقد سبق بيان هذا بأدلته، وذكر ترجيح المحققين له في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 3650، 5524، 7170، 27578، 23868.
وقد احتج مالك، والشافعي بظاهر هذه الآية التي ذكر السائل على تحريم الاستمناء، وأيدهما كثير من العلماء، واحتجوا بأن ظاهر القرآن لا يعدل عنه إلا بدليل من الكتاب، أو السنة، وأيدوا التحريم بما يسببه الاستمناء من الأضرار، وبأن الأصل في الفروج التحريم.
وأما عن التفريق بين مس الذكر لحاجة -كالاستنجاء، أو غيره- وبين مسه للتلذذ والاستمتاع، فيفرق بينهما بأن مس الذكر باليسرى عند الاستنجاء ثبت بمفهوم النص الناهي عن مسه باليمين؛ لقول سلمان في حديثه: نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه. رواه مسلم. وعن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه. متفق عليه.
واذا جاز مسه باليسار فيجوز النظر من باب أولى، وأما الاستمتاع والتلذذ بمسه ومداعبته، فيبقى على ما تفيده النصوص من وجوب حفظه، قال العلامة الشيخ ابن باز في فتاواه: الاستمناء باليد محرم في أصح أقوال أهل العلم، وهو قول جمهورهم؛ لعموم قوله تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" فأثنى - سبحانه وتعالى - على من حفظ فرجه، فلم يقض وطره إلا مع زوجته أو أمته، وحكم من قضى وطره فيما وراء ذلك أيًّا كان فهو عاد متجاوز لما أحله الله له، ويدخل في عموم ذلك الاستمناء باليد، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير، وغيره، ولأن في استعماله مضار كثيرة، وله عواقب وخيمة، منها إنهاك القوى، وضعف الأعصاب، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بمنع ما يضر الإنسان في دينه، وبدنه، وماله، وعرضه....
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى: أما الاستمناء باليد فهو حرام عند جمهور العلماء، وهو أصح القولين في مذهب أحمد؛ ولذلك يعزر من فعله، وفي القول الآخر هو مكروه غير محرم، وأكثرهم لا يبيحونه لخوف العنت، ولا غيره. اهـ.
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في أضواء البيان: اعلم أنه لا شك في أن آية: "قد أفلح المؤمنون" هذه التي هي "فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" تدل بعمومها على منع الاستمناء باليد المعروف: بجلده عميرة، ويقال له: الخضخضة؛ لأن من تلذذ بيده حتى أنزل منيه بذلك قد ابتغى وراء ما أحله الله، فهو من العادين، بنص هذه الآية الكريمة المذكورة هنا وفي سورة سأل سائل، وقد ذكر ابن كثير أن الشافعي، ومن تبعه استدلوا بهذه الآية على منع الاستمناء باليد.
وقال القرطبي: قال: محمد بن عبد الحكم، سمعت حرملة بن عبد العزيز قال: سألت مالكًا عن الرجل يجلد عميرة، فتلا هذه الآية: "والذين هم لفروجهم حافظون" إلى قوله: "العادون" قال مقيده - عفا الله عنه، وغفر له -: الذي يظهر لي أن استدلال مالك، والشافعي، وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد استدلال صحيح بكتاب الله يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد شيء يعارضه من كتاب، ولا سنة. وما روي عن الإمام أحمد مع علمه، وجلالته، وورعه من إباحة جلد عميرة مستدلًا على ذلك بالقياس، قائلًا: هو إخراج فضلة من البدن تدعو الضرورة إلى إخراجها، فجاز، قياسًا على الفصد والحجامة، فهو خلاف الصواب، وإن كان قائلة في المنزلة المعروفة التي هو بها؛ لأنه قياس يخالف ظاهر عموم القرآن، والقياس إن كان كذلك رد بالقادح المسمى: فساد الاعتبار، كما أوضحناه في هذا الكتاب المبارك مرارًا، وذكرنا فيه قول صاحب مراقي السعود:
والخلف للنص أو إجماع دعا …فساد الاعتبار كل من وعى.
فالله - جل وعلا - قال: "والذين هم لفروجهم حافظون" ولم يستثن من ذلك البتة إلا النوعين المذكورين في قوله تعالى: "إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم"، وصرح برفع الملامة في عدم حفظ الفرج عن الزوجة والمملوكة فقط، ثم جاء بصيغة عامة شاملة لغير النوعين المذكورين دالة على المنع هو قوله: "فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون"، وهذا العموم لا شك أنه يتناول بظاهره ناكح يده، وظاهر عموم القرآن لا يجوز العدول عنه إلا لدليل من كتاب، أو سنة يجب الرجوع إليه، أما القياس المخالف له فهو فاسد الاعتبار، كما أوضحنا، والعلم عند الله تعالى. اهـ.
والله أعلم.