عنوان الفتوى : نكاح هذه الفتاة من التعاون على البر والتقوى

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

السلام عليكم شيخنا حفظكم الله، لقد أنعم الله علينا بنعمة الإسلام وبنعمة الالتزام بشرعه والحمد لله، لكن لايخلو المسلم كما تعلمون من أن يبتلى في دينه وعندما يحصل هذا الأمر تضيق الدنيا عليه بما رحبت ويضيق صدره فلا يجد ملجأ إلا إلى الله، ثم إلى أهل العلم الذين تنوروا به وحملوه، ومشكلتي شيخنا ليست عقدية ولا فقهية، ولكنها اجتماعية شخصية، أحببت أخذ رأيكم فيها واسترشادكم عليها لعل الله يوفقكم لأن تدلوني على الصواب. أنا شاب ملتزم والحمد لله، منذ أربع سنوات أقطن بحي شعبي يغلب على شبابه الذكور منهم والإناث البعد عن الله والغوص في الملذات والمحرمات، وفي ظل هذا الواقع شاء الله عز وجل أن يهدي قلب فتاة إلى هذا الدين وإلى الطريق المستقيم، لقد ارتدت الحجاب وارتادت دور القرآن بعد أن كانت ترتاد الفنادق الفخمة للزنا وللرقص، نعم شيخنا لقد كانت تمارس الزنا في الفنادق الفخمة، وكانت تربح الأموال الطائلة، ولكن لهذه الفتاة قصة وهي: أنها قبل حوالي سبع سنوات تقدم للزواج منها شاب وسيم ثري، لكن شاء الله أن يحسدها الحساد فيمكرون بها عن طريق السحر، وفعلا في ليلة زفافها قامت الخصومات بين الطرفين وانهدم كل شيء، وخرجت الفتاة منذ تلك الليلة لمدة ثلاث سنوات قضتها خارج البيت لتعود بعد ذلك إليه ولتبدأ حياة الزنا في الفنادق الكبيرة ولتبدأ في تعاطي المخدرات {تدخين-حشيش-خمرة} إلى غاية الشهر السادس من سنة 2002حيث لم تعد تهوى السهر ولا كسب الأموال الطائلة. وأما لقائي بها، فكان في ليلة عندهم في البيت لأجل الرقية حيث أنها صرعت بسبب استماعها للقرآن، ولما اكتشفت أن حالتها صعبة جدا، تعاون معها الإخوة والأخوات في هذا الأمر. لقد أحببت التزامها بعمق وأشفقت لحالها بشدة، وتألمت لما تعانيه، تضرعت إلى الله أن يشفيها وأن يثبتها على الطريق السوي، اقتنيت لها مجموعة من الأشرطة والرسائل، واسيتها كثيرا لدرجة أني كنت أرقيها يوميا، وفعلا وفقني الله لأن أبطل سحرها، حيث استخرجته من المقبرة القريبة منا، زد على هذا أني دخلت معها في صراع مع المخدرات بأن أبعدتها عن كل صديقات السوء وأصحاب الأهواء حتى تخلصت والحمد لله من جميع تلك البلايا، وكلفني ذلك وقتا كثيرا وأموالا، ولكنه كلفني شيئا آخر هو أن هذه الإنسانة تعلقت بي إلى حد كبير وشغلت قلبها بي، وكنت من قبل أستلهم ذلك، ولكن كنت أقول: هذا غير ممكن، إلى أن عرفت الحقيقة، والمشكلة شيخنا هي أنها لما أخبرتني بذلك ولفرط حبي لالتزامها وشفقتي على حالها، لم أشعر حتى وعدتها بالزواج، فزاد التعلق تعلقا حتى أني أحس في بعض الأحيان إذا أنا تراجعت عن فكرة الزواج بها انتكست، فالمكان الذي تعيش فيه مكتظ بصديقات السوء وبمن يذكرها بماضيها. ولكن شيخنا هي ابنة حارتي، وهي معروفة بما كانت عليه من الزنا حتى مع بعض الذين أعرفهم وأنا لا أريدها أن تفتتن في دينها، ولكني أحس بثقل أمر الزواج منها، فماذا ستكون نظرة الناس إلي وأنا المعروف في وسطي بحسن السيرة والخلق، ثم ماذا سيقول الناس عني. أنا الآن في حيرة من أمري، هل أصبر على أذى الناس فآخذها؟ أم أطلب منها أن تسامحني رغم ما سأسببه لها؟ أم ماذا أفعل؟ . ثم هي مستعدة أن تهجر مكانها إن أنا وافقت على الزواج بها، ولكن الحيرة تكاد تكسر دماغي، هل مثل هذه يجوز التزوج بها بدافع الشفقة والرغبة في التعاون معها؟ وهل في ذلك أجر؟ . وإن لم يكن الأمر كذلك، فأخبرتها بأني آسف ثم انتكست فهل أنا آثم . وأحيطكم علما أنها تكبرني بخمس سنوات، وأنا عمري 22 سنة أعمل مدرسا، أعزب ولم أزني قط. أفيدونا جزاكم المولى جل وعلا خيرا. أخوكم في الله أبو عبد الرحمان.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فما دامت هذه الفتاة قد تابت وأنابت إلى الله تعالى وأقلعت عن ارتكاب الزنا وتعاطي المسكرات وهجرت أماكن الرقص والخنا وارتادت دور تحفيظ القرآن الكريم ومجالس الخير، فلا حرج عليك في الزواج بها، لا سيما إذا كان زواجك بها سيكون سببا في ثباتها وترسيخ الإيمان في قلبها، وإذا تزوجتها بهذه النية، فلا شك أن لك بذلك أجرا عظيما. ونوصيك باتخاذ الأسباب المعينة لكم على البر والتقوى.. ومنها: هجر الحي الذي تسكنان فيه، لأنه حي سوء -كما ذكرت في سؤالك- ويدل على هذا ما في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا. فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله. فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت. فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاه ملك في صورة آدمي. فجعلوه بينهم. فقال: قيسوا ما بين الأرضين. فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد. فقبضته ملائكة الرحمة. ووجه الشاهد من الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين، ومن يقتدى بهم وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته. اهـ. وإذا لم تستطع الخروج من هذا الحي فابذل جهدك في جلب أسباب صلاحه، كالكتيبات والمطويات والأشرطة النافعة ودعوة المشايخ وأهل الخير إليه، عسى الله أن يصلحه على يديك، واحرص على تنمية الاستقامة والتوبة في نفسك وأهلك. واعلم أنه لا يجب عليك نكاح هذه الفتاة، ولكن لو استطعت فهو أفضل لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى، وإذا لم تستطع فاسع في جلب رجل صالح لها واربطها بالصالحات، وأعلمها أنه لا تحل لها الانتكاسة بسبب عدم نكاحك لها، ولكن تخير الوقت المناسب والأسلوب المناسب لإخبارها، وننصحك قبل اتخاذ القرار بالاستخارة والاستشارة لأهل الخير والرأي، والدعاء باختيار ما فيه الخير لك ولها في الدنيا والآخرة. والله أعلم.