عنوان الفتوى : من الأفعال ما ينافي الإسلام لكنه لا يخرج من الملة
هل يمكن للإنسان أن يعمل المفاسد، وهو يقول: إني مسلم؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن من الأفعال ما ينافي الإسلام، ولكنه مع ذلك لا يخرج من الملة، فالإيمان شُعَبٌ كثيرة متعددة، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. متفق عليه.
وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها: كشعبة قول: لا إله إلا الله، فمن لم يعترف بأن لا إله إلا الله، فهو ليس من جملة المسلمين، ومثل ذلك من لم يعتقد صحة ما جاءت به الرسل من عند الله، ومن استخفّ بشيء مما عظمه الشرع، كالأنبياء، والكتب، والملائكة، ومن أنكر ما علم من الدين ضرورة، كوجوب الصلاة، والصيام، وحرمة الخمر، والخنزير، وكذلك ترك الصلاة، عند جماعة من العلماء؛ للأحاديث التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. رواه الترمذي، والنسائي، وأحمد.
ومن هذه الشعب ما لا يزول الإيمان بزوالها، فمن كان يزني، ويسرق، ويشرب الخمر، فإنه من جملة المسلمين، ما لم ينكر حرمة هذه الأفعال، ولكن إيمانه ناقص، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق، وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمن. متفق عليه، وفسر بأن إيمانه غير كامل، أو أنه في الوقت الذي يمارس فيه هذه الأفعال ليس في قلبه مخافة الله، أو أنه يفعل أفعال غير المسلمين، أو أن هذا يؤول به إلى الكفر، أو هو كافر إذا اعتقد حليتها، وهو بذلك يستحق العقوبة من الله، ما لم يتب، ولكنه غير مخلد في النار، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. والمقصود بالدخول هنا الخلود؛ لأن بعض المؤمنين يعذبون على ارتكاب بعض المعاصي، أو ترك بعض الواجبات، ولكنهم لا يخلدون في النار، بخلاف الكفار.
وصفوة القول في ذلك: أن المسلمين لهم مراتب كثيرة:
فأعلاهم درجة من يعبد الله كأنه يراه، فلا يرتكب شيئًا مما نهى عنه.
ومنهم من يمارس بعض الذنوب، كالنظر الخفيف لما لا يحل، والكذب في الممازحة، ونحو ذلك، وهؤلاء قال الله فيهم: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا {النساء:31}.
ومنهم من يمارس الفواحش، ويرتكب الكبائر، وهؤلاء استحقوا العقاب بأفعالهم، ولكن الله بفضله، وسعة رحمته، يمكن أن يعفو عنهم؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء [النساء:48]، ويمكن أن لا يعفو عنهم، فيعذبون عذابًا، ليسوا فيه بمخلدين، روى أبو ذر -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتاني جبريل -عليه السلام-، فبشرني أن من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا، دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. متفق عليه.
واعلم أن جميع المعاصي، تكفرها التوبة الصادقة، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
والله أعلم.