عنوان الفتوى : هل يكفر من حمّل فيلمًا يحتوي على الكفر إذا كان غير راضٍ عن محتواه؟
معلوم أن مشاهدة الأفلام، وسماع الأغاني معصية، فهل يكفر من قام بتحميل أغنية، أو مسلسل قد يحتوي على كلمات، ومقاطع، أو مشاهد مخالفة للتوحيد فيها شرك وكفر وخرافات الكفار ـ والعياذ بالله ـ علمًا أن التحميل يكون لغير هذا؛ لأن قلب المسلم من المستحيل أن يرضى بالكفر، وماذا عن النشر: كأن ينشر مقطعًا مرفقًا بأغنية كلماتها مثلما سبق للإعجاب بالموسيقى، وطريقة الغناء دون الكلمات؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يحصل الكفر بمجرد التحميل ما دام الشخص الذي حمل الفلم غير راض بما يحتويه من الكفر، ولكن لا ينفعه ذلك في رفع الإثم، وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك في الفتوى رقم: 135734.
ويحرم كذلك نشر ما يحتوي على الكفر، ويخشى على صاحبه من أن يناله إثم من اطلعوا على الفلم بعد النشر، كما قال تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ {العنكبوت:13}.
وهذه الأثقال هي وزر إضلالهم الناس، فهذا مما كسبته أيديهم، كما قال تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ{النحل:25}.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عليه من الإثم مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شيئا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فتبين بهذا وغيره من النصوص أن الداعي إلى المنكر، والمروج له، والقائم بنشره يحصل له وزر من عمل بهذا المنكر بسبب دعائه له، فهذا وزره الذي اقترفه، قال العلامة الشنقيطي مبينًا إزالة التعارض بين هذا وبين قوله: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ـ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ مَا حَمَلُوا إِلَّا أَوْزَارَ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا وِزْرَ الضَّلَالِ، وَوِزْرَ الْإِضْلَالِ، فَمَنَّ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ تَشْرِيعَهُ لَهَا لِغَيْرِهِ ذَنْبٌ مِنْ ذُنُوبِهِ، فَأُخِذَ بِهِ. انتهى.
ولمزيد البيان راجع الفتوى رقم: 170183.
والله أعلم.