عنوان الفتوى : حكم إقامة الحدود على غير المسلمين
هل يطبق حد الشذوذ ـ فعل قوم لوط ـ على الكافر غير العالم بهذه الحدود أم لا؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلابد من التنبيه أولا على أن إقامة الحد من رجم أو جلد أو غيرهما من الأمور الخاصة بولي أمر المسلمين، وليست لأفراد الناس، فمن عمل عملا يستوجب الحد فأمره إلى حاكم المسلمين.
أما عن السؤال: فالجواب هو إنه يشرع إقامة حد اللواط على كل فاعل ومفعول به، لما في الترمذي وأبي داود وابن ماجه، وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. وهو حديث صحيح.
وقد نص جمع من الفقهاء على دخول الكفار في ذلك، فقد جاء في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: ومن عمل من المكلفين وإن عبدا وكافرا عمل قوم لوط، بأن فعل بذكر بالغ وأدخل حشفته أو قدرها من مقطوعها في دبره حالة كون الذكر البالغ المفعول به قد أطاعه رجما، بالبناء للمجهول، ونائب الفاعل ضمير الفاعل والمفعول، أحصنا أو لم يحصنا، كانا حرين أو رقيقين، مسلمين أو كافرين. اهـ.
وإن كان الكافر جاهلا الحد، فلا يعذر بذلك، فقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا وكان جاهلا بأن حده الرجم، وألزم المجامع في نهار رمضان بالكفارة مع جهله بأن عليه في الجماع كفارة، لكنه كان يعلم حرمة الجماع.
وقد أوضح العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ عدم العذر بجهل العقوبة في مواضع من كتبه، ومن ذلك قوله ـ رحمه الله: هنا توجد مسألة انتبهوا لها, إذا كان الإنسان يعلم الحكم، ولكن لا يدري ماذا يترتب عليه، فلا يعذر, فلو فرضنا أن رجلاً محصناً متزوجاً وزنى وهو يعلم أن الزنا حرام، لكنه لا يعلم أنه يرجم, هل نرجمه أم لا نرجمه؟ نرجمه، مع أنه يقول: لو علمت أن الإنسان يرجم ما فعلت, نقول: جهلك بالعقوبة ليس عذراً، كذلك رجل جامع زوجته في نهار رمضان، وقال: ما علمت أن في الجماع كفارة مغلظة, ظننت أن الإنسان يقضي يوماً وينتهي, ولو علمت أن فيه الكفارة المغلظة ما فعلت, هل يعذر أم لا يعذر؟ لا يعذر، بل يجب أن يكفر، المهم أن الجهل للعقوبة ليس عذراً, ما هو العذر؟ الجهل بالحكم، هذا هو العذر, ولهذا لو جامع إنسان زوجته في نهار رمضان، وقال: لا أدري أنه حرام، إنما ظننت أن الأكل والشرب هو الحرام فقط, نقول: ما عليك شيء، لا قضاء ولا كفارة. انتهى.
ويدل لإقامة الحد على الكفار ما في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم، فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة، يقيها الحجارة.
وفي سنن أبي داود، عن البراء بن عازب، قال: مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي قد حمم وجهه، وهو يطاف به، فناشدهم: ما حد الزاني في كتابهم؟ قال: فأحالوه على رجل منهم، فنشده النبي صلى الله عليه وسلم: ما حد الزاني في كتابكم؟ فقال: الرجم، ولكن ظهر الزنا في أشرافنا، فكرهنا أن يترك الشريف، ويقام على من دونه، فوضعنا هذا عنا، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم، ثم قال: اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك.
وجاء في فتح الباري لابن حجر عند شرحه لحديث البخاري السابق: وفي هذا الحديث من الفوائد وجوب الحد على الكافر الذمي إذا زنى، وهو قول الجمهور، وفيه خلاف عند الشافعية. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 179609.
والله أعلم.