عنوان الفتوى : حكم الانتفاع والوضوء بماء مأخوذ من خزان الجار دون إذنه
أنا فتاة أعيش في مدينة عربية، ظروفها الخدمية سيئة، ومنذ يومين نفدت المياه عندنا، فقام أبي بأخذ بعض المياه من خزان جارنا، بكمية أقل من شبر واحد من المياه؛ لأن جارنا يعيش في إحدى البلدان العربية، ومن ثم فهو لن يحتاج لهذه المياه، لكن أبي لم يستأذن والد جارنا الذي كان في منزل ابنه، وهو يأتي أحيانًا كي يغتسل، قبل قيامه بأخذ الماء من الخزان، مع العلم أني نبهت أهلي على حرمة هذا الشيء، لكن لم يستجب لي أحد؛ لأنهم كانوا بحاجة للماء، وأنا -ولله الحمد- لم أستخدم المياه التي أخذها أبي دون استئذان، وعند صلاة العشاء كنت متوضئة، ولكن من باب التأكيد اضطررت أن أتوضأ من ذلك الماء؛ لأنه لم يكن هناك في المنزل سوى الماء الذي أخذناه دون استئذان، وبعض ماء الشرب في مبرد الماء، لكن في اليوم التالي شعرت بندم؛ لأني استخدمت ذلك الماء، فهل عليَّ شيء أفعله ككفارة، أو إعادة الصلاة بوضوء بماء حلال، أو غيره؟ وهل يجوز أن يصلي أبي بنا إمامًا بعد هذه الحادثة؟ علمًا أن الماء في نفس اليوم، وبعد ساعات قليلة قد عاد، ومن ثم؛ فلم يتأذَ أحد، وعُبئت جميع الخزانات. وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمياه الخزانات ملك لأصحابها، لا يجوز الأخذ منها إلا بإذنهم، اللهم إلا إذا عُرِف بدلالة الحال الواضحة رضاهم بذلك، أو اطرد العرف بالتسامح فيه، فينزل الإذن العرفي، منزلة الإذن اللفظي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الإذن العرفي عندنا كاللفظي، والرضا الخاص، كالإذن العام، فيجوز للإنسان أن يأكل طعام من يعلم رضاه بذلك؛ لما بينهما من المودة، وهذا أصل في الإباحة، والوكالات، والولايات. اهـ.
وقال في القواعد النورانية: الإذن العرفي في الإباحة، أو التمليك، أو التصرف بطريق الوكالة كالإذن اللفظي، فكل واحد من الوكالة، والإباحة ينعقد بما يدل عليها من قول، وفعل، والعلم برضى المستحق، يقوم مقام إظهاره للرضا. اهـ.
وقد ذكر الدكتور محمد آل بورنو في موسوعة القواعد الفقهية: قاعدة: (دلالة الإذن من حيث العرف، كالتصريح بالإِذن. وفي لفظ: الإِذن العرفي في الإِباحة، أو التمليك، أو التصرف بطريق الوكالة كالإِذن اللفظي).
ثم قال: مفاد القاعدتين: أن ما دل على الإذن بفعل شيء، أو تملكه، أو تناوله، وكان ذلك معروفًا بين الناس، فهو في قوة التصريح بالإذن. اهـ.
وعلى افتراض أن الماء الذي أخذه والدك من خزان جاركم لا يدخل تحت هذين النوعين من المستثنيات، وأن له حكم الماء المغصوب بالفعل، فإن التوضؤ به صحيح، مجزئ على الراجح من قول جمهور أهل العلم، سواء للإمام، أم المأموم، قال الشبراملسي في حاشيته على نهاية المحتاج: لو توضأ بالماء المغصوب، فإنه يثاب عليه من حيث الوضوء، وإن عوقب من حيث إتلاف مال الغير. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: القاعدة في ذلك أن المحرم إذا كان محرمًا في ذات العبادة أفسدها، وإن كان تحريمه عامًا لم يفسدها، فالأكل والشرب يفسدان الصوم، بخلاف الغيبة؛ ولهذا كان الصحيح أن الصلاة في الثوب المغصوب، وبالماء المغصوب صحيحة؛ لأن التحريم ليس عائدًا للصلاة؛ فلم يقل الرسول صلّى الله عليه وسلّم: لا تصلوا في الثوب المغصوب، أو بالماء المغصوب، فالنهي عام. اهـ.
وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 46050.
والله أعلم.