عنوان الفتوى : حكم من تمكن من معرفة الحجة وأعرض عنها
هل الذي يُعرِض عن وصول الحجة له، ويتمادى في أفعاله يظلّ معذورًا؟ أي: تريد إقامتها عليه لتوصلها له، ولتتحقق من اجتماع الشروط، وانتفاء الموانع في حقه، وهو أصلًا لا يسمح أن تقيم عليه شيئًا، ويظل متماديًا في بطشه، فهل يظل مثل هذا معذورًا بالجهل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنفس الإعراض عن التعلم فيما يلزم المسلم تعلمه محرم؛ قال ابن تيمية -رحمه الله-: وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين؛ مثل طلب كل واحد علم ما أمره الله به، وما نهاه عنه، فإن هذا فرض على الأعيان، كما أخرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين. وكل من أراد الله به خيرًا لا بد أن يفقهه في الدين، فمن لم يفقهه في الدين لم يرد الله به خيرًا، والدين ما بعث الله به رسوله، وهو ما يجب على المرء التصديق به، والعمل به. انتهى.
ولكن طالما لم تقم عليه الحجة فإنه يبقى معذورًا في التكفير -إن كان ما يفعله كفرًا-؛ كما بيّنّا في الفتوى رقم: 60700.
لكن لو بلغه أن ما يفعله كفر، وتمكن من معرفة الحجة، وأعرض عنها؛ فله حكم آخر؛ قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ولكن يجب أن نعلم أن من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي إنه يذكر له الحق، ولكنه لا يبحث عنه، ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه، ومن يعظمهم ويتبعهم، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور؛ لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}، وفي الآية الثانية: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}.
فالمهم أن الجهل الذي يعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق، ولا يذكر له، هو رافع للإثم، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله، ثم إن كان ينتسب إلى المسلمين، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإنه يعتبر منهم، وإن كان لا ينتسب إلى المسلمين، فإن حكمه حكم أهل الدين الذي ينتسب إليه في الدنيا. انتهى من مجموع فتاوى ورسائل العثيمين.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 292315.
وننبهك أن التكفير أمره خطير، فلا تسارع بالحكم على أحد، ودع الأمر للعلماء، والقضاة الشرعيين، وانشغل بما ينفعك.
والله أعلم.