عنوان الفتوى : حكم تارك الصلاة كسلا وتهاونا
قرأت تقريبًا معظم فتاواكم عن تارك الصلاة، ورأيت أنكم تذكرون الرأيين المختلفين، بمعنى أن من ترك الصلاة تهاونًا أو تكاسلًا أو انشغالًا أو استخفافًا متعمدًا، فطائفة تقول بكفره كفرًا مخرجًا من الملة، وطائفة تقول كفر غير مخرج من الملة (لم أفهم ما المقصود بكفر غير مخرج من الملة!)، ومرة تقول فاسق ومذنب فقط، وفي النهاية لا أعرف أنتم تؤيدون (إسلام ويب) أي طائفة! في بعض الأحيان تقولون كافر، مثل الفتوى رقم: 5259، وفي معظم الفتاوى الأخرى ليس كافرًا. وأيضًا يختلط عليّ الأمر في المدة التي يكفر بها تارك الصلاة تهاونًا وتكاسلًا, هل هي مدة قصيرة أم أنه لا يكفر مهما طالت المدة (سنين)؛ لأنه مقرّ بها؟ ولو كفر هل لا بد أن ينطق الشهادتين أم يكفيه أن يصلي فقط؟ وهل يوجد فرق بين ترك الصلاة تهاونًا و بين تركها متكاسلًا أم الحالتين نفس الحكم؟ أرجو منكم الإجابة واضحة وميسرة بأن لا تحمل أي تشدد، وشكرًا لمجهودكم العظيم فعلًا، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن أهل العلم اختلفوا في كفر تارك الصلاة كسلًا؛ فمنهم من حكم بكفره كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، ولو بترك صلاة واحدة، ومنهم من قال بإسلامه، وأنه من جملة العصاة، ومنهم من فرق بين الترك للصلاة بالكلية فيكفر، ومن يصلي أحيانًا ويترك أحيانًا فلا يكفر، ولا فرق بين أن يقال ترك الصلاة تكاسلًا أو تركها تهاونًا؛ فكلاهما واحد.
والذي استقرّت عليه الفتوى عندنا هو التفصيل بين من يتركها بالكلية فيكفر، وبين من يتركها أحيانًا ويصلي أحيانًا فلا يكفر، وهذا القول صرّحنا بترجيحه في عدة فتاوى، كالفتوى رقم: 65078، والفتوى رقم: 127746، والفتوى رقم: 139732، وفي فتاوى أخرى نذكر أقوال الفقهاء، ونميل لذلك التفصيل من غير تصريح بالترجيح، كالفتوى رقم: 130853، والفتوى رقم: 310264، والفتوى رقم: 212992.
وأما ما المقصود بالكفر غير مخرج من الملة؟ فالمقصود به: أن كفره هذا لا يخرج به من دائرة الإسلام، بل يبقى الحكم عليه بأنه مسلم من جملة المسلمين، وإنما يسمى فعله كفرًا على سبيل التغليظ والتشبيه له بالكفار، لا على الحقيقة أو أنه مستحق لعقوبة الكفر من القتل، وانظر الفتوى الأخيرة المحال عليها آنفًا.
وأما المدة التي يحكم بها على تارك الصلاة كسلًا بالكفر الأكبر: فقد بيّنّا أقوال الفقهاء حول هذا في الفتوى رقم: 122448عن الحدّ الذي به يحكم بالكفر على تارك الصلاة كسلًا.
وعلى المفتى به عندنا أنه يكفر بالترك الكلي، فقد بيّن بعض أهل العلم أن المراد به أن يوطّن نفسه على تركها؛ قال ابن عثيمين في الشرح الممتع: والذي يظهر من الأدلَّة: أنَّه لا يكفر إلا بترك الصَّلاة دائمًا، بمعنى أنَّه وطَّنَ نفسَه على ترك الصَّلاة، فلا يُصلِّي ظُهرًا، ولا عَصرًا، ولا مَغربًا، ولا عِشاء، ولا فَجرًا، فهذا هو الذي يكفر، فإن كان يُصلِّي فرضًا أو فرضين فإنَّه لا يكفر، لأنَّ هذا لا يَصْدُقُ عليه أنه ترك الصَّلاة. اهـ.
وأما كيفية توبته لو كفر بتركها كسلًا: فإن توبته أن يصلي، وقيل يأتي بالشهادتين؛ قال البهوتي في كشاف القناع: (فإن تاب) من ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا (بفعلها) أي بفعل الصلاة خلي سبيله، نقل صالح توبته أن يصلي لأن كفره بالامتناع منها، فحصلت توبته بها، بخلاف جاحدها؛ فإن توبته إقراره بما جحده مع الشهادتين، كما يعلم مما يأتي في باب المرتد. اهـ.
وقال ابن مفلح في النكت والفوائد السنية: قال الشيخ تقي الدين: الأصوب أنه يصير مسلمًا بنفس الصلاة من غير احتياج إلى إعادة الشهادتين؛ لأن هذا كفره بالامتناع من العمل، ككفر إبليس بترك السجود، وكفر تارك الزكاة بمنعها، والمقاتلة عليها لا بكفره بسكوت، فإذا عمل صار مسلمًا، كما أن المكذب إذا صدق صار مسلمًا، ومثل هذا الكافر تصح صلاته، كما أن المكذب تصح شهادته، فإن صلاته هي توبته من الكفر، أما تصييره مسلمًا على أصلنا بالصلاة فظاهر، فإن الكافر الأصلي والمرتد بالتكذيب لو صلى حكم بإسلامه، وإنما الكلام في صحة صلاته قبل تجديد الشهادتين، والمسألة مذكورة في المرتد لا سيما والكافر يصير مسلمًا بالشهادة لمحمد صلى الله عليه بالرسالة لتضمن ذلك الشهادة بالتوحيد. اهـ.
والله تعالى أعلم.