عنوان الفتوى : التوبة من مشاهدة الأفلام الإباحية
أنا شاب عمري 24 عامًا، ابتليت بالأفلام الإباحية عندما كان عمري 18 عامًا، وبعدها عرفت الفيسبوك، ومواقع الجنس، وأكثر صفحات جنس المحارم والدياثة، وللأسف تحولت فيها، وأدمنتها، ونتج عن ذلك تحرشي الجنسي بإخوتي، وظللت مدمنًا عليها حتى بلغت الثالثة والعشرين، بعدها تبت إلى الله واستنكرت ما فعلته مع إخوتي، وندمت ندمًا شديدًا، والحمد لله تاب عليّ الله من هذه الأفعال، لكني بعدها بفترة رجعت إلى الأفلام الإباحية، وكذلك إلى مشاهدة جنس المحارم والدياثة، فماذا أفعل كي أتوب منها؟ علمًا أني أدمنتها، وأحاول، ولا أستطيع، وحياتي تعطلت، وكرهت نفسي، وأخاف أن أكون مصابًا بشذوذ المحارم، وأخاف أن يعود عليّ هذا عند الزواج بضرر، فلا أجد متعة مع زوجتي، أرجو الإفادة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه جملة من المنكرات الخطيرة، وظلمات بعضها فوق بعض، لها عواقبها السيئة على صاحبها في الدنيا والآخرة، ما لم يتداركه الله برحمته، ومن ذلك ما ذكرت من تعطل حياتك، وكراهيتك نفسك، وهذا قد يكون غيضًا من فيض، وقد يقع ما تخشاه بسبب إدمان مشاهدة شذوذ المحارم، فتقع أضرار عند الزواج، إلا أن تتداركك رحمة الله، فترجع وتتوب إليه.
ولا تتردد أبدًا في الإقدام على التوبة مرة أخرى، فلا تعجز، ولا تيأس من رحمته سبحانه، فإنه يقبل توبة من تاب إليه بصدق، وإن تكرر منه الذنب، ففي صحيح مسلم عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدى ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، واعمل ما شئت، فقد غفرت لك. قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة، أو الرابعة: اعمل ما شئت.
فالمطلوب منك فقط أن تعقد العزم، وتصدق مع ربك، فإن تصدقه يصدقك، قال عز وجل: طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ {محمد:21}، وفي سنن النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم: صدق الله فصدقه.
ومما يعينك على التوبة أيضًا كثرة الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه، عسى أن يوفقك إلى التوبة النصوح، وتترك هذه المآثم بالكلية، فتوبة العبد تقع بين توبتين عليه من ربه عز وجل، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: وتوبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها، وتوبة منه بعدها، فتوبته بين توبتين من الله سابقة ولاحقة، فإنه تاب عليه أولًا إذنًا وتوفيقًا وإلهامًا، فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيًا قبولًا وإثابة، قال تعالى: وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة:118}، ـ فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم، وأنها هي التي جعلتهم تائبين، فكانت سببًا ومقتضيًا لتوبتهم، فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم، والحكم ينتفي لانتفاء علته، وهذا القدر من سر اسميه الأول والآخر، فهو المعد، وهو المُمِد، ومنه السبب والمسبب، وهو الذي يعيذ من نفسه بنفسه، كما قال أعرف الخلق به: وأعوذ بك منك، والعبد تواب، والله تواب، فتوبة العبد: رجوعه إلى سيده بعد الإباق، وتوبة الله نوعان: إذن وتوفيق، وقبول وإمداد. اهـ.
واحرص على وسائل الإعانة على الثبات على الحق، وسلوك سبيل الاستقامة، وتأمين النفس من الشيطان وغوايته، ويمكنك الاستفادة من التوجيهات المضمنة في فتاوانا التالية: 1208، 10800، 12928.
سلمك الله وعافاك من كل سوء وبلاء، وأعانك على طاعته، وذكره، وشكره، وحسن عبادته.
والله أعلم.