عنوان الفتوى : حكم تحويل المسجد المهجور لأغراض أخرى
يوجد مسجد صغير عبارة عن غرفة مساحتها ستة في أربعة، وهناك مسجد آخر يبعد عنه100 متر تقريباً، وقد أصبح هذا المسجد الصغير مهجورا. فهل يحق لنا تحويله لأغراض أخرى كالسكن مثلاً؟. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 96207، أقوال أهل العلم في حكم استبدال الوقف والتصرف فيه إذا اندرس وتعطلت منافعه.
والذي يظهر رجحانه هو جواز الاستبدال إذا كان لمصلحة معتبرة أو لدرء مفسدة كذلك، لما هو مقرر ومعلوم من كون الشريعة مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، يقول الشيخ عبد الله بن بيه حفظه الله: وقد قرر الشيخ تقي الدين ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ ونقله عن الإمام أحمد رضي الله عنه من وجوه كثيرة، أنه تجوز المناقلة في الأوقاف للمصلحة الراجحة، لدليل: أن عمر ـ رضي الله عنه ـ كتب إلى ابن مسعود أن يحول المسجد الجامع بالكوفة إلى موضع سوق التمارين، ويجعل السوق في مكان المسجد الجامع العتيق، ففعل ذلك. اهـ.
وقال أيضا: وتحرير المصلحة المعتبرة التي يمكن أن تؤثر في الوقف: أنها مصلحة غالبة عادة، يُطلب جلبها شرعا، أو مفسدة غالبة عادة، يطلب درؤها شرعا، فإذا لم يقع تحقق غلبة المصلحة على المفسدة، فإن الإبقاء على أصل الثبات في الوقف مُسَلم الثبوت، فليست كل مصلحة عارضة يمكن أن تزعزع أركان الوقف أو تَصرف ألفاظ الواقف عن مواضعها أو تحرك الغلات عن مواقعها. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: يجوز نقل الوقف إذا كان ذلك أصلح، فإذا استُغنيَ عن شيء بالمسجد، كفراش أو دولاب أو غيره: نقلناه إلى مسجد آخر بعينه إذا أمكن، وإن لم يمكن قمنا ببيع هذه الأشياء، وأنفقنا ثمنها على المسجد، أما إذا كان من الأوقاف، فإن الأوقاف هي التي تتصرف في ذلك وتفعل ما هو الأصلح. اهـ.
وسئل الدكتور خالد المصلح: عن حُكم تحويل مبنى المسجدِ القديمِ المُعطَّل، إلى سكن إمامٍ ومؤذِّنٍ، حيثُ إنَّه قد بُني مسجدٌ جديد، وتحوَّل إليه الجماعةُ، ولم يعُد البناءُ السَّابق يُصلَّى فيه، فأجاب حفظه الله: المسجد إذا تعطَّلت منافعُه لخرابِه، أو تحوُّل الناس عنه، أو غيرِ ذلك من الأسباب، وتُرِكت الصَّلاةُ فيه، فإنه يجوز بيعُه ونقلُه إلى مكانٍ آخَر، على الصَّحيح من قولَي أهل العلم، وذلك لأنَّ الجُمود على المسجد الأول، بعد خرابه أو تعطُّله وتحوُّل النَّاس عنه، تضييعٌ للغرض من الوقف، ومُنافٍ لمصلحة الواقف، والأصل في ذلك ما جاء عن عمر ـ رضي الله عنه ـ حيث أمر ابن مسعود لما نُقِبَ بيتُ المالِ، أن ينقُل مسجدَ الكوفة عن مكانِه، ويجعلَه قبلةَ المسجد، فتصرَّف عمرُ في نقل المسجد، ولم يكن متعطِّلاً، بل لمصلحةِ حفظِ بيت المال وحراسته، فإذا كان نقل الوقف والتَّصرُّفِ فيه عائداً لمصلحتِه فجوازه من باب أولى.... إلى أن قال: فلا أرى مانعاً من تحويل البناء القديم للمسجد سكناً للإمام والمؤذن، وذلك أنَّ تركَ الوقف مُعطَّلاً يُفضي إلى فوات منافعِه بالكلِّيَّة، وفي الاستفادة منه مسكناً للإمام والمؤذن، حفظٌ له من التَّعطيل، ثمَّ إنَّ تحويله إلى سكنٍ للإمام والمؤذِّن، هو في الحقيقة تغييرٌ لصورة الوقف، وذلك جائزٌ على الصَّحيح من قولَي العلماء، لأنَّه من تمام مصلحة المسجد، قال شيخ الإسلام في الاختيارات: وجوَّز جمهورُ العلماء، تغييرَ صورتِهِ لمصلحةٍ، كجعلِ الدُّور حوانيتَ، وينبغي أن يكون ذلك كلُّه، بعد موافقة الواقف أو النَّاظر على الوقف، سواءٌ أكان شخصاً أم جهة. اهـ.
وبناء على ما سبق، فلا مانع من تعديل المسجد المذكور ليصبح سكنا أو نحوه على أن يكون ذلك بإذن الواقف أو الناظر، وأن يظل وقفا كما كان.
والله أعلم.