عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في طواف من أغمي عليه قبل الطواف أو أثناءه
سيده كانت متعبة أثناء طواف الإفاضة، وكانت جالسة على كرسي الطواف، لكنها كانت من شدة الإعياء تفقد الوعي وتفيق، وكان الرجل الذي يدفع الكرسي يوقظها للتكبير عند بداية الشوط فتكبر ثم من الإعياء تفقد الوعي، فهل يلزمها شيء؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطواف المغمى عليه لا يصح عند جمهور أهل العلم، فعلى قولهم يكون قد بقي طواف الإفاضة في ذمتها، فإذا كانت هذه السيدة تستطيع الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة من غير مشقة شديدة.. فلترجع لتطوف وتسعى بعده إن كانت متمتعة، أو كانت مفردة أو قارنة ولم تكن قد سعت بعد طواف القدوم، وتتحلل بذلك من حجها التحللَ الأكبر.
وهي عند جمهور العلماء لا تزال محرمةً إلى الآن، فإن كانت قد رمت جمرة العقبة يوم النحر وقصرت من شعرها، فقد تحللت التحلل الأول ولها الآن الإتيانُ بجميع محظورات الإحرام ما عدا الجماعَ ومقدماتِه، أما إن كان وقع منها جماعٌ بعد أداء سائر أعمال الحج ورجوعها إلى بلدها وقبل رجوعها لإعادة الطواف، فلا شيء عليها على الراجح المفتى به؛ لجهلها أنها لم يصح طوافها وأن الجماع محرم عليها، قال النووي في المجموع: [إذا جامع المحرم قبل التحلل من العمرة أو قبل التحلل الأول من الحج ناسياً لإحرامه أو جاهلاً تحريمَه.. ففيه قولان مشهوران... (الأصح) الجديد: لا يفسد نسكه ولا كفارةَ ]. اهـ. فإذا كان هذا قبل التحلل الأول فبين التحللين أَولى.
فإن لم تستطع الرجوعَ أو استطاعت لكن مع مشقة شديدةٍ في البدن أو المال، فلها الترخص بقول الحنفية، فإنهم صححوا طواف المغمى عليه إذا طيف به، لا سيما إذا كان قد نوى الطواف ثم أغمي عليه أثناءه.
قال السرخسي في المبسوط: [وإذا أَمَّ الرجُل البيتَ -أي قصد مكة للنسك- فأغمي عليه فأهل عنه أصحابه بالحج ووقفوا به في المواقف وقضوا له النسك كله، قال: يجزيه ذلك عن حجة الإسلام في قول أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- ... وأما سائر المناسك فالأصح أن نياتهم عنه في أدائها صحيح، إلا أن الأَوْلى أن يقفوا به، وأن يطوفوا به ليكون أقرب إلى أدائه لو كان مفيقاً... لأنهم إذا أحضروه المواقف كان هو الواقفَ، وإذا طافوا به كان هو الطائفَ، بمنزلة من طاف راكباً لعذر]. اهـ.
وكلام السرخسي هذا فيمن أغمي عليه قبل الإحرام وأحرم عنه رفاقه وكان مغمى عليه أيضاً وقت أداء الأعمال، قال ابن مازة في "المحيط البرهاني": [وهذا بخلاف ما لو أغمي عليه بعد الشروع، وطافوا ووقفوا به؛ لأن ذلك إعانة وليس بنيابة؛ لأن المغمى عليه يصير طائفاً وواقفاً لكن بإعانتهم، والإعانة جائزة]. اهـ. وهذه المرأة قد أغمي عليها بعد الإحرام والشروع فيه.
وقال زين الدين ابن نجيم في "البحر الرائق": [وقُيِّد -أي إجزاءُ أن يطوف عنه رفيقه دون إحضاره- بكونه أغمي عليه قبل الإحرام؛ إذ لو أغمي عليه بعد الإحرام فلا بد من أن يشهد به الرفيق المناسك عند أصحابنا جميعاً على ما ذكره فخر الإسلام؛ لأنه هو الفاعل، وقد سبقت النية منه]. اهـ. وهذه المرأة قد شُهد بها الطواف.
قال سراج الدين ابن نجيم في "النهر الفائق": [ما علل به فخر الإسلام مبني على عدم اشتراط النية للطواف أصلاً، وأن نية الإحرام مغنيةٌ عنه]. اهـ.
وعلى القول بعدم اشتراط النية فرّع الإسبيجابي، قال: [مَن طِيفَ به محمولاً أجزأ ذلك الطواف عن الحامل والمحمول جميعاً، وسواء نوى الحامل الطواف عن نفسه وعن المحمول، أو لم ينو، أو كان للحامل طوافَ العمرة وللمحمول طوافَ الحج وعكسه، أو كان الحامل ليس بمحرمٍ والمحمول عما أوجبه إحرامه]. اهـ. نقله ابن نجيم في "البحر الرائق" وذكر ابن عابدين في حاشيته "منحة الخالق" أن الظاهر أنه مفرّعٌ على عدم اشتراط نيةٍ.
وذكر ابن نجيم في "البحر" احتمال كون هذا مستثنى من اشتراط نية الطواف عند الشروع فيه على القول باشتراطها - وهو قول أكثر الحنفية-، قال ابن نجيم: [إلا أن يقال أن نية الإحرام لا تكفي للطواف عند القدرة عليها]. اهـ.
وهذا الخلاف بين الحنفية في اشتراط نيةٍ مستقلةٍ للطواف إنما هو متأتٍّ فيما إذا استغرق إغماؤه كلَّ الطواف، بحيث لم ينو الطواف أصلاً حين الشروع فيه، أما هذه المرأة فقد نوت الطواف عند الشروع فيه ثم أغمي عليها في بعضه، فيصح طوافها عندهم بلا خلاف.
فالحاصل: أن هذه المرأة إن استطاعت الرجوع بلا مشقةٍ شديدة في البدن أو المال.. فلترجع ولتُعِد الطواف مع امتناعها عن الجماع ومقدماته قبل إعادته، فإن هذا القول هو الأحوط وهو قول أكثر العلماء، ولها في قول الحنفية سعةٌ إن كان الرجوع يشق عليها.
والله أعلم.