عنوان الفتوى : حكم من حلف على زميله أن يأتيه فلم يستجب له
ما حكم قول: علي الحرام لو أشتاق لك لأتيتك من العمل، وبالفعل يأتي من أجلي؟ وما حكم قول: والله لن أشتاق لك إذا لم تأتني الآن؟ وما حكم: والله لن أنتقل من العمل إلى مركز آخر، ثم انتقل ورجع؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحلف بالحرام محرم، فلا يجوز للمسلم أن يحلف بغير الله تعالى للحديث المتفق عليه: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت.
وأما الحلف بالله: فهو مشروع، والأفضل عدم الإكثار منه، لقوله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}. ولقوله: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ {القلم:10}.
وإذا حلف الشخص على زميله أن يأتيه، فإنه يستحب له أن يستجيب له، لما في الصحيحين من حديث البراء بن عازب ـ رضي الله عنهما ـ قال: أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بسبعٍ: أمرنا بعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الدّاعي، وإفشاء السّلام.
فإن لم يستجب له وجبت الكفارة على الحالف عند الجمهور، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: فإن قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو لا يفعل، أو حلف على حاضر، فقال: والله لتفعلن كذا، فأحنثه، ولم يفعل، فالكفارة على الحالف، كذا قال ابن عمر، وأهل المدينة وعطاء، وقتادة والأوزاعي وأهل العراق والشافعي، لأن الحالف هو الحانث، فكانت الكفارة عليه. انتهى.
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية بين الحلف على من يظن أنه يطيعه، والحلف على من لا يظنه كذلك، ففي كتاب مطالب أولي النهى للرحيباني: وعن الشيخ تقي الدين: أو حلف على مستقبل ظانا صدق نفسه فتبين بخلافه، فلا تنعقد يمينه، وكحلف عليه أي على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل، فلا كفارة فيهما، لأنه لغو، قال الله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ـ والمذهب خلافه. انتهى.
وقال شيخ الاسلام في الفتاوى الكبرى: وإذا حلف على معين موصوف بصفة فبان موصوفا بغيرها كقوله: والله لا أكلم هذا الصبي فتبين شيخا، أو لا أشرب من هذا الخمر فتبين خلا، أو كان الحالف يعتقد أن المخاطب يفعل المحلوف عليه لاعتقاده أنه ممن لا يخالفه إذا أكد عليه ولا يحنثه، أو لكون الزوجة قريبته وهو لا يختار تطليقها، ثم تبين أنه كان غالطا في اعتقاده، فهذه المسألة وشبهها فيها نزاع، والأشبه أنه لا يقع، كما لو لقي امرأة ظنها أجنبية فقال أنت طالق فتبين أنها امرأته، فإنها لا تطلق على الصحيح، إذ الاعتبار بما قصده في قلبه، وهو قصد معينا موصوفا ليس هو هذا العين، وكذا لا حنث عليه إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه إذا قصد إكرامه، لا إلزامه به، لأنه كالأمر إذا فهم منه الإكرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف. اهـ.
ومن حلف على عدم فعل شيء ما ثم فعله، فقد حنث وتلزمه الكفارة، سواء كان فعل الصواب أم لا، لقول الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إني والله ـ إن شاء الله ـ لا أحلف على يمين، ثم أرى خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير.
وفي الحديث الآخر: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه.
وفي رواية: إذا حلف أحدكم على اليمين فرأى خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير. رواه مسلم.
وفي البخاري عن عائشة: أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ لم يكن يحنث في يمين قط حتى أنزل الله كفارة اليمين، وقال: لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني.
والله أعلم.