عنوان الفتوى : هل تصح المسألة المنسوبة إلى علي رضي الله عنه: أعرفت ربك بمحمد ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما صحة حديث : سأل علي بن أبي طالب : " أعرفت ربك بمحمد، أم عرفت محمد بربك ... " إلى آخر الحديث ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولا: التعليق على صحة المقولة المنسوبة إلى علي رضي الله عنه 

نص ابن الجوزي رحمه الله تعالى على كذب نسبة هذه المسألة إلى علي رضي الله عنه؛ حيث ساق بسنده:

" عن محمد بن أشرس السلمي قال: أخبرنا محمد بن سعيد الهروي قال: أخبرنا إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي، وعلي بن إبراهيم الهاشمي، عن يحيى بن عقيل الخزاعي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب: " أنه سأله رجل: عرفت الله بمحمد أو عرفت محمدًا بالله؟

فقال: لو عرفت الله بمحمد لكان محمد أوثق من الله، ولو عرفت محمدا بالله ما احتجت إلى رسول الله، ولكن الله تعالى عرفني نفسه ، بلا كيف ، كما شاء، بعث محمدا رسولا ليبلغ القرآن والإيمان، وعتب الحجة وتقويم الناس على منهاج الإسلام، فصدّقت بما جاء به من الله؛ لأنه لم يجيء بخلاف عن أمر ربه، ولا يخالف الرسل من قبله، جاء بالهدى والوعد وتصديق من قبله ".

قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على علي عليه السلام؛ لأنه أجلّ من أن يقول هذا، والمتهم به محمد بن سعيد، وقد رواه عن إسماعيل. قال ابن عدي: وإسماعيل يحدث عن الثقات بالبواطل. فأما الهاشمي فما يعرف " انتهى من "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" (2 / 942).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

"فقبح الله من وضعه، فيه: محمد بن أشرس السلمي – كذاب- عن محمد بن سعيد، عن إسماعيل بن يحيى – متهم- " انتهى من "تلخيص كتاب العلل المتناهية" (ص 370).

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى:

" قول علي رضي الله عنه، لما قيل له: عرفت الله بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو عرفت محمدا بالله تعالى؟

قال: ما احتجت إلى رسول الله، ولكن الله عرفني بنفسه، بلا كيف كما شاء، وبعث محمدا رسولا، ليبلغ القرآن والإيمان _ إلخ.

رواه الجوزقاني في الواهيات.

وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على علي رضي الله عنه ... " انتهى من "الفوائد المجموعة" (ص 455).

وهذه المقالة تتداولها كتب الشيعة ضمن قصة طويلة ، دلائل الكذب ظاهرة عليها، يحطون بها من مقدار أبي بكر وعمر رضي الله عنها وعلمهما، ويذكرونها بإسناد لا يخلو من متهمين بالكذب ومجهولين، كما عند ابن بابويه القمي الشيعي في كتابه المسمى "التوحيد" (ص 210) وغيره.


ثانيا: التعليق على معنى العبارة 

وردت عبارة مشابهة في بعض كتب أهل العلم، منسوبة لبعض السابقين، دون تحديد من هو . 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" قال – عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي -: ( وقد رُوي ذلك عن جماعة من السلف الصالح، فسئل بعضهم: أعرفت الله بمحمد، أم عرفت الله به؟ فقال: عرفت الله به، وعرفت محمدا بالله، ولو عرفت الله بمحمد لكانت المنة لمحمد دون الله ). " انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (9 / 25).
وقصدهم من هذا؛ أن المؤمن عرف الله ورسوله بتوفيق من الله وهداية منه، وليس بمجرد عقله وتدبّره لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى:

 وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  الحجرات/7 – 8.

وقال الله تعالى:  وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ  السجدة/13.

وفي الوقت نفسه لا ينفون أن هذه الهداية قد وضع الله تعالى لها أسبابا؛ أعظمها دعوة الرسل وتعليمهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فالذين احتجوا من أهل السنة على أن المعرفة والإيمان تحصل للعبد بفضل الله ورحمته وهدايته وتعريفه، ونحو ذلك من العبارات، يتضمن قولهم إبطال قول هؤلاء القدرية.

وهذا صحيح، لكن ليس في ذلك ما يقتضي أن المعرفة لا يمكن أن تحصل بنظر العقل، كما أنه ليس في ذلك ما يقتضي أنها لا تحصل بتعليم الرسول والعلماء والمؤمنين ودعائهم وبيانهم واستدلالهم.

بل من المعلوم : أن العلم يحصل في قلب العبد تارة بما يسمعه من الناس من البيان والتعليم: إما إرشادا إلى الدليل العقلي، وإما اخبارا بالحق الواقع.

وتحصل تارة بما يقذفه في قلبه ، من النظر والاعتبار والاستدلال الذي ينعقد في قلبه، كما يحصل تارة بكسبه واستدلاله.

ويحصل تارة بما يضطره الله إليه من العلم من غير اكتساب منه...

وذلك أن ما كتبه الله في قلوب المؤمنين من الإيمان، سواء حصل بسبب من العبد، كنظره واستدلاله، أو بسبب من غيره، أو بدون ذلك، هو والأسباب التي بها حصل بقضاء الله وقدره، وهي من نعمة الله على عبده، فإن الله هو الذي منَّ بالأسباب والمسببات.

فمن ظن أن المعرفة والإيمان يحصل بمجرد عقله ونظره واستدلاله - كما تقوله القدرية - كان ضالاً.

وهذا هو الذي أبطله هؤلاء " انتهى من"درء تعارض العقل والنقل" (9 / 28 - 29).

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...