عنوان الفتوى : حكم شراء حلوى المولد النبوي
حكم شراء حلوى المولد النبوي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فشراء هذه الحلوى بنية الاحتفال بالمولد، لها حكم الاحتفال ذاته؛ لأن النية تؤثر في العادات حِلا، وحُرمة، فإن كان الاحتفال محظورا، كانت العادات التي تفعل على سبيل الاحتفال كذلك.
قال ابن الحاج في (المدخل): وليحذر من عوائد أهل الوقت، وممن يفعل العوائد الرديئة، وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع، فإن خلا منه ـ أي من السماع وتوابعه المنكرةـ وعمل طعاما فقط، ونوى به المولد، ودعا إليه الإخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره: فهو بدعة بنفس نيته فقط؛ إذ أن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين. واتباع السلف أولى، بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه؛ لأنهم أشد الناس اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيما له، ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم. اهـ.
وقد نقل ذلك الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في (فتاويه ورسائله) وأقرَّه.
وأما الشراء المجرد عن هذه النية، ودون المشاركة في المظاهر الاحتفالية الأخرى، فلا نرى ما يقتضي حرمته، فيبقى على أصل الحِل.
ولا يقال: إن في هذا إعانةً على الباطل أو المنكر! لأن الشراء والحلوى كلاهما جائز في الأصل. وإنما يمكن أن يذكر ذلك في حكم البيع لا الشراء، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 238204.
وقد نص بعض أهل العلم على جواز الشراء من أسواق المشركين التي يقيموننا في أعيادهم.
ونقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم) وأوضح الفرق بين البيع والشراء فقال: لا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد، من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر، فأما مبايعتهم ما يستعينون هم به على عيدهم، أو شهود أعيادهم للشراء فيها، فقد قدمنا أنه قيل للإمام أحمد: هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام مثل طور يانور، ودير أيوب، وأشباهه يشهده المسلمون، يشهدون الأسواق، ويجلبون فيه الغنم، والبقر والدقيق والبر، وغير ذلك؛ إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون، ولا يدخلون عليهم بيعهم، وإنما يشهدون الأسواق؟ قال: إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم، وإنما يشهدون السوق، فلا بأس. وقال أبو الحسن الآمدي: " فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم، فلا بأس بحضوره". نص عليه أحمد في رواية مهنا، وقال: "إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم، فأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم". فهذا الكلام محتمل؛ لأنه أجاز شهود السوق مطلقا بائعا ومشتريا؛ لأنه قال: "إذا لم يدخلوا عليهم كنائسهم، وإنما يشهدون السوق فلا بأس" هذا يعم البائع والمشتري، لا سيما إن كان الضمير في قوله: "يجلبون" عائدا إلى المسلمين، فيكون قد نص على جواز كونهم جالبين إلى السوق. ويحتمل -وهو أقوى- أنه إنما أرخص في شهود السوق فقط، ورخص في الشراء منهم، ولم يتعرض للبيع منهم؛ لأن السائل إنما سأله عن شهود السوق التي يقيمها الكفار لعيدهم، وقال في آخر مسألته: "يشترون، ولا يدخلون عليهم بيعهم" وذلك لأن السائل مهنا بن يحيى الشامي، وهو فقيه عالم، وكان -والله أعلم- قد سمع ما جاء في النهي عن شهود أعيادهم، فسأل أحمد: هل شهود أسواقهم بمنزلة شهود أعيادهم؟ فأجاب أحمد بالرخصة في شهود السوق، ولم يسأل عن بيع المسلم لهم إما لظهور الحكم عنده، وإما لعدم الحاجة إليه إذ ذاك، وكلام الآمدي أيضا محتمل للوجهين ... فما أجاب به أحمد من جواز شهود السوق فقط للشراء منها، من غير دخول الكنيسة، فيجوز؛ لأن ذلك ليس فيه شهود منكر، ولا إعانة على معصية؛ لأن نفس الابتياع منهم جائز، ولا إعانة فيه على المعصية، بل فيه صرف لما لعلهم يبتاعونه لعيدهم عنهم، فيكون فيه تقليل الشر، وقد كانت أسواق في الجاهلية، كان المسلمون يشهدونها، وشهد بعضها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأسواق ما كان يكون في مواسم الحج، ومنها ما كان يكون لأعياد باطلة ... ثم إن الرجل لو سافر إلى دار الحرب ليشتري منها، جاز عندنا، كما دل عليه حديث تجارة أبي بكر -رضي الله عنه- في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام، وهي دار حرب ... مع أنه لا بد أن تشتمل أسواقهم على بيع ما يستعان به على المعصية. فأما بيع المسلمين لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس، والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم. اهـ.
ولا يقال: إن في ذلك إقرارا للمنكر! لأننا شرطنا التجرد عن نية الاحتفال، وعدم المشاركة في المظاهر الاحتفالية الأخرى.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 134098.
والله أعلم.