عنوان الفتوى : حكم التيمم عند خشية المرض من استعمال الماء
أنا أعيش مع أبي في دور الصفيح المعروفة بمدن الصفيح في بيت صغير نقضي حاجتنا في حمام المسجد أو أقرب مقهى، وعند ما يشتد الحال أقضي حاجتي (أتبول) -أعزكم الله- على دلو، وأعطي ظهري لأبي إن كان خلفي وأقضي حاجتي، وعند ما أريد أن أستنجي لكي أصلي الصبح لا أجد مكانًا أستنجي فيه، فأطلب من أبي أن يخرج حتى أتوضأ، والمشكل الأكبر عند ما أصبح على جنابة، وأبي رجل كبير لا أريد أن أخرجه في شدة البرد والشتاء لكي أتوضأ، فأطلب منه ذلك؛ لأني أخاف أن يضيع أجري. أما البيت فيدخل منه البرد من كل الجوانب، لذلك فأنا غالبًا ما أمرض -والحمد لله على كل حال-، وأغتسل من الجنابة، وأعمل بما فرضه عليّ ربي. سوف تقول لي بأن الدين دين يسر، وليس دين عسر، نعم صحيح، ولكن لا أستطيع أن أفوت صلاة واحدة، فما حكم عملي هذا؟ وهل أحاسب عليه يوم القيامة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تفعله مما ذكرت صحيح، وهو مما تؤجر عليه، وبقدر ما يلحقك من النصب والمشقة في أداء ما افترض الله عليك أنت وأبوك يزيد أجركما ويعظم ثوابكما، ولكن إذا خفت على نفسك من المرض إذا اغتسلت فلك رخصة في أن تتيمم وتدع الغسل ريثما يزول البرد وتقدر على الاغتسال من غير ضرر، فإذا خفت حصول المرض فاغسل ما تقدر على غسله ثم تيمم عن الباقي؛ قال في كشاف القناع: (أو) أي: ويصح التيمم (لخوف ضرر باستعماله) أي: الماء (في بدنه من جرح) لقوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] ولحديث جابر في قصة صاحب الشجة. رواه أبو داود، والدارقطني. وكما لو خاف من عطش أو سبع، فإن لم يخف من استعمال الماء لزمه كالصحيح (أو) من (برد شديد) لحديث عمرو بن العاص قال: «احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قلت: ذكرت قول الله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29]. فضحك ولم يقل شيئًا». رواه أحمد، وأبو داود. (ولو) كان خوفه على نفسه من البرد (حضرًا) فيتيمم دفعًا للضرر كالسفر، وليس المراد بخوفه الضرر أن يخاف التلف، بل يكفي أن (يخاف منه نزلة أو مرضًا ونحوه) كزيادة المرض، أو تطاوله، فيتيمم (بعد غسل ما يمكنه) غسله بلا ضرر، والمراد أنه يغسل ما لا يتضرر بغسله ويتيمم لما سواه. انتهى.
وحينئذ فإنك تصلي بالتيمم وتصح صلاتك، ولا تكون تاركًا للفرض، وهذا من يسر الشريعة ورفعها الحرج عن المكلفين.
والله أعلم.