عنوان الفتوى : المسلم إذا دخل الجنة، هل ينسى الناس معايبه؟
أنا لديّ أسرار يعرفها بعض أصداقائي ، ولديّ الآن أمراض نفسية بسبب هذا ، ولا أستطيع النّوم ، سؤالي هو : هل في الجنّة تمحى أسراري من النّاس ؟
الحمد لله
إذا دخل المسلم الجنة وأنجاه الله من النار فقد فاز .
قال الله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ آل عمران/185.
وقال الله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود/108.
والله سبحانه وتعالى يذهب الحزن في الجنة.
قال الله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ فاطر/33 - 35.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه تعالى:
" ( وَ ) لما تم نعيمهم، وكملت لذتهم ( قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) وهذا يشمل كل حزن... " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 690).
فليس في الجنة شيء يدخل الحزن على أحد من أهلها ، ولا ما يعيَّرُ به أحد من أهلها .
بل الجنة دار السلام ، لا ينظر أهل الجنة فيها إلى بعضهم البعض إلا بنظرة الأخوة.
قال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ الحجر/45 - 47.
بل أكثر من هذا؛ لو أن العبد لازم الإحسان في الأعمال الصالحة ، والإخلاص فيها، واجتهد في تحقيق التقوى والتوبة مما مضى من الذنوب؛ فإن الله تعالى وعد أنه سيحبه.
قال الله تعالى: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ آل عمران/76.
وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَالبقرة/222.
وقال الله تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ البقرة/195.
وإذا أحب الله عبده نشر حبه بين الناس.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ رواه البخاري (7485) ، ومسلم (2637).
ولذا ترى كثيرا ممن عرف بالصلاح بعد معايب وذنوب؛ لا يلتفت الناس إلى معايبهم ، ولا إلى ماضيهم، وهم بعد في دار الدنيا ، ولا يرونهم إلا بما اشتهروا به من الصلاح؛ ومن أكثر من شيء عرف به، والحسنة تمحو السيئة، والعبرة بنهايات الإنسان لا ببداياته.
وعلى المسلم أن يعتقد أن الله على كل شيء قدير، وأنه لطيف التدبير؛ فلا ييأس ولا يترك الحزن يهلكه؛ فالحزن سبب للشيطان ليقعد به الحزين عن المسابقة والمسارعة في الخيرات والأعمال الصالحة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه، أو منفيا.
فالنهي: كقوله تعالى ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا )، وقوله: ( وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) في غير موضع، وقوله: ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )، والمنفي كقوله: ( فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ).
وسر ذلك: أن "الحزن" موقف غير مسير، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ).
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة: ( أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث، لأن ذلك يحزنه ).
فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ) فهو قرين الهم، والفرق بينهما: أن المكروه الذي يرد على القلب، إن كان لما يستقبل: أورثه الهم، وإن كان لما مضى: أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، مفتر للعزم" انتهى من "مدارج السالكين" (2 / 1285 - 1286).
فعليك أن تجتهد في تجنب هذه الأحزان حتى يقوى قلبك على المسارعة في الخيرات والأعمال الصالحة؛ واحذر أن يدخل الشيطان عليك القنوط واليأس؛ وإذا تيسر لك أن تغير محل إقامتك وصحبتك؛ فافعل هذا ففيه مصلحة لدينك حتى تنسى ما يذكرك بالحزن ويقعدك عن العمل.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |