عنوان الفتوى : حكم وصف خلق الله لأفعال العباد بالجبر الخفي
قرأت عن عقيدة القضاء والقدر ومختلف القول فيها، ونسأل الله أن يثبتنا على عقيدة السلف الصالح ويتوفانا عليها. وبقي سؤال: يقول الأشعري -رحمه الله-: إن تقدير الله لعمل المخلوقين هو ما يسمى: الجبر الخفي، وهو ما يسميه بعضهم: عجائب الدنيا. "كسب الأشعري وطفرة النظام وغيرها". فهل يجوز تسمية خلق الله لأفعالنا جبرًا خفيًّا؟ وإذا لم يجز فما القول الصحيح؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يصح وصف خلق الله تعالى لأفعال العباد بالجبر، لا ظاهرًا ولا خفيًّا، ومذهب الأشعري في هذا يؤول في حقيقته إلى مذهب الجهمية الجبرية، كما سبق أن أشرنا إليه في الفتوى رقم: 135019. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (النبوات): فالمعروف عن الأشعري وعن أصحابه: أنهم يوافقون جهمًا في قوله في الإيمان، وأنه مجرد تصديق القلب، أو معرفة القلب، لكن قد يظهرون مع ذلك قول أهل الحديث ويتأولونه .. فليسوا موافقين لجهم من كل وجه، وإن كانوا أقرب الطوائف إليه في الإيمان، وفي القدر أيضًا؛ فإنه رأس الجبرية؛ يقول: ليس للعبد فعل البتة. والأشعري يوافقه على أن العبد ليس بفاعل، ولا له قدرة مؤثرة في الفعل، ولكن يقول: هو كاسب. وجهم لا يثبت له شيئًا، لكن هذا الكسب؛ يقول أكثر الناس: إنه لا يعقل فرق بين الفعل الذي نفاه، والكسب الذي أثبته. وقالوا: عجائب الكلام ثلاثة: طفرة النظام، وأحوال أبي هاشم، وكسب الأشعري. وأنشدوا:
مما يقال ولا حقيقة عنده ... معقولة تدنو إلى الأفهام.
الكسب عند الأشعري والحال عنـ ... د البهشمي وطفرة النظام. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 212440.
وأما اللفظ الصحيح في وصف العبد مع كون فعله مخلوقًا للرب، فهو المستفاد من السنة النبوية: أنه "ميسر لما خلق له". فالإنسان ليس مخيرًا ولا مسيرًا بإطلاق، بل فهو ميسر لما خلق له، ففعله وإن كان بقدر الله تعالى إلا أن له فيه اختيارًا واكتسابًا، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 121656، 35375، 95359.
والله أعلم.