عنوان الفتوى : أحكام تربية الكلاب والجراء الصغيرة وبيعها
أريد أن أشتري كلاب حراسة للتجارة (أنوي شراء جراء ذكر، وأنثى وتربيتهما حتى يكبرا، ويتناسلا ومن ثم بيع جرائهما) مع العلم أنه ليس لدي احتياج للحراسة، وإنما الغرض هو التجارة فقط. وقد بحثت في الموضوع، ووجدت أن الكثير من العلماء أباحوا التجارة في الكلاب المرخص فيها ككلاب الصيد، والحراسة غير أني سأقوم بتربية هذه الكلاب في حديقة منزلي. فهل ينطبق علي الحديث: مَنْ أمْسَكَ كَلْباً، فَإنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ، أوْ مَاشِيَةٍ.؟ جزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن السنة قد وردت بالتشديد في اقتناء الكلاب لغير حاجة.
قال ابن قدامة: ولا يجوز اقتناء الكلب، إلا كلب الصيد، أو كلب ماشية، أو حرث؛ لما روي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اتخذ كلبا، إلا كلب صيد، أو ماشية، أو زرع، نقص من أجره كل يوم قيراط». وعن ابن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من اقتنى كلبا، إلا كلب صيد، أو ماشية، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان».
قال سالم: وكان أبو هريرة يقول: أو كلب حرث. متفق عليه. وإن اقتناه لحفظ البيوت، لم يجز؛ للخبر. ويحتمل الإباحة. وهو قول أصحاب الشافعي؛ لأنه في معنى الثلاثة، فيقاس عليها. والأول أصح؛ لأن قياس غير الثلاثة عليها يبيح ما يتناول الخبر تحريمه.
قال القاضي: وليس هو في معناها، فقد يحتال اللص لإخراجه بشيء يطعمه إياه، ثم يسرق المتاع. وأما الذئب، فلا يحتمل هذا في حقه، ولأن اقتناءه في البيوت يؤذي المارة، بخلاف الصحراء. اهـ.
وكذلك الجرو الصغير: الأصل أنه لا يجوز تربيته؛ للنصوص الآنف ذكرها، وجوزه بعض العلماء إن كان تربيته لأجل الانتفاع به فيما يباح فيه اقتناء الكلب.
قال ابن قدامة: فأما تربية الجرو الصغير لأحد الأمور الثلاثة، فيجوز في أقوى الوجهين؛ لأنه قصده لذلك، فيأخذ حكمه. كما يجوز بيع العبد الصغير، والجحش الصغير، الذي لا نفع فيه في الحال؛ لمآله إلى الانتفاع. ولأنه لو لم يتخذ الصغير، ما أمكن جعل الكلب للصيد، إذا لا يصير معلما إلا بالتعليم، ولا يمكن تعليمه إلا بتربيته، واقتنائه مدة يعلمه فيها. قال الله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله} [المائدة: 4]. ولا يوجد كلب معلم بغير تعليم. والوجه الثاني لا يجوز؛ لأنه ليس من الثلاثة. اهـ.
وفي روضة الطالبين: قال الشافعي -رضي الله عنه- في «المختصر»: لا يجوز اقتناء الكلب إلا لصيد، أو ماشية، أو زرع، وما في معناها، هذا نصه. واتفق الأصحاب على جواز اقتنائه لهذه الثلاثة، وعلى اقتنائه لتعليم الصيد ونحوه، والأصح: جواز اقتنائه لحفظ الدور، والدروب، وتربية الجرو لذلك، وتحريم اقتنائه قبل شراء الماشية، والزرع. وكذا كلب الصيد لمن لا يصيد. اهـ.
وفي أسنى المطالب: (ويجوز تربية الجرو) الذي يتوقع تعليمه (لذلك) أي للصيد، ولحفظ الماشية ونحوهما، لا قبل تملكها. اهـ.
وتربية الكلاب الصغيرة من أجل بيعها، لا يظهر أنها داخلة في الرخصة المذكورة؛ لأنه لم يُقصد بذلك الانتفاع بها، وإنما المقصود بيعها.
وأما عن حكم بيع الكلاب: فجمهور العلماء على تحريم بيعها مطلقا، ولو كانت مما يباح اقتناؤها، كما في الفتوى رقم: 236314.
والقول بجواز بيع الكلاب التي يباح اقتناؤها، لا يظهر أنه مستلزم لجواز تربية الجراء لبيعها لذلك، لا سيما إن كان ذلك في البيوت، فالحنفية نصوا أنه لا ينبغي اتخاذ الكلاب التي يباح الانتفاع بها في البيوت، مع إباحتهم لبيعها.
وفي البحر الرائق لابن نجيم: والانتفاع بالكلب للحراسة، والاصطياد جائز إجماعا، لكن لا ينبغي أن يتخذ في داره، إلا إن خاف اللصوص، أو عدوا. وفي الحديث الصحيح: «من اقتنى كلبا، إلا كلب صيد، أو ماشية، نقص من أجره كل يوم قيراطان». اهـ.
وعل كل حال: فينبغي لك الكف عن تربية الكلاب الصغيرة من أجل بيعها، تجافيا عن الوعيد الشديد الوارد في اقتناء الكلب، وأخذا بظواهر النصوص التي تقضي بمنع بيع الكلاب مطلقا.
والله أعلم.