الأنانية بين الأزواج
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الأنانية مأخوذة من كلمة "أنا" ويقصد بها حب الذات والأَثَرَة للنفس، وهي عكس الإيثار، والشخص الأناني هو الذي يعتقد أنه مركزُ العالم، وأن كل ما يقوله ويفعله يجب أن يكون موضعَ اهتمام كلِّ الناس، وأن كلَّ ما يحدُث له وما يُحبه ويحتاج إليه سيكون دائمًا فوق احتياجات الآخرين، وعادة ما يرفُضه الناس بسبب عدم احترامه ومراعاته للآخرين.قال صلى الله عليه وسلم: (( «لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه» ))؛ (متفق عليه) ، والله سبحانه أثنى على أهل الإيثار، فقال عنهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]، والأثرة هي حب النفس وتفضيلها على الآخرين.
يا عباد الله، إن الأسرة قد تُبتلى بزوج أناني أو زوجة أنانية، مما يفقدها العطاء والتضحية، وأصل الزواج أن يكون علاقة مشتركة بين طرفين، تبنى على الاحترام المتبادل وعلى المودَّة والمحبة، ومشاركة القرارات التي تخصُّ الأسرة سويًّا.
تقول فتاة: زوجي يغضب بشدة عند عدم حصوله على ما يريد، ويتخذ قرارات بمفرده دون علمي، وإذا حدَّثته بما فعل لا يبادر ولا يعترف بخطئه، فهو يعتبر كل ما يفعله حقًّا مكتسبًا ولا يستحق الاعتذار.
ويقول شاب: منذ اليوم الأول من زواجي تفاجأت من سلوكيات زوجتي، فهي لا تحب إلا نفسها ومصلحتها الشخصية، فهي ترى نفسها أهمَّ من الجميع، وكلمة الأنا هي أكثر كلمة تستخدمها عند الحديث، ولا تتنازل عن رغباتها مهما حدث، ولا تشكرني مهما فعلت لها.
يا عباد الله، قد تكون هذه صفة متأصِّلة في سلوك الزوج أو الزوجة ، أو ربما منذ طفولتهما بسبب تربيتهما وبيئتهما التي تربيا عليها؛ لذا عند التعامل مع الشخص الأناني يجب الانتباه للتالي:
• لا تَصفه بالأنانية مهما كانت ردةَ فِعله تجاهك، فهذا يزيده سوءًا.
• حاوِره في المهام التي يجب عليه المشاركة فيها، أو تحمُّلها بالكامل مثل تربية الأطفال، أو النفقة عليهم.
• ركِّز على الإيجابيات التي تصدُر منه، فلا يخلو إنسان من محاسن في حياته الأسرية، ولا تركز على السلوك الأناني؛ لأن هذا سيجعل نفسيتك سيئة جدًّا تجاهه.
• توزيع المسؤوليات بينكما، وعدم تحمُّل المسؤولية عنه، خاصة إذا قصر فيها أو تردَّد بالقيام بها؛ لأن هذا السلوك سيجعله يعتمد عليك في كل شيء.
• اهتمَّ بنفسك واحتياجاتك ورغباتك وسعادتك وطموحاتك، مع الوفاء بمسؤولياتك تجاه شريك حياتك وأسرتك؛ لأن إهمالك لنفسك يعطيه المبرر بأنك لا تستحق التضحية.
• انتبه من العدوانية والانتقام وإهمال مسؤولياتك؛ حتى لا تدخل في مشاكل أكبر من السلوك الأناني عند الزوج أو الزوجة.
• الفِت انتباهه لهذا السلوك وصارِحه بالأمر، واسأله إن كان هناك شيء يضايقه أو يزعجه؛ لأن بعض النساء قد تفعل ذلك للفت الانتباه أو التلميح لشيء يزعجها.
• إذا فشل الحوار بينكما فلا تسمح بأن يتعدى على حقوقك وحقوق الأسرة، واجعله يعرف أنك مهتم به، لكن هذا لا يعني أن يتعامل معك بهذا السلوك الأناني.
• استشِر أهل الخبرة والاختصاص ليساعدوك في تخطي هذه المشكلة، واطلب من زوجتك كذلك استشارة المختصين التربويين لعلاج هذا السلوك عندها.
نفعني الله وإيَّاكم بهدي نبيِّه وبسنة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- أقول قُولِي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
يا عباد الله، إن السعادة الحقيقية بين الزوجين تكمن في خلق الإيثار بينهما، والإيثار هو تقديم الغير على النَّفس وحظوظها الدُّنيوية رغبةً في الحظوظ الأخروية، مثل أن ينشغل أحدهما بسعادة شريك حياته ويؤثره على نفسه أكثر من انشغاله بحقوقه وواجباته، وأن يكون في قلبه مكان للتسامح والصبر على نقائص شريك الحياة، وأن يحتمل كل منهما الآخر همه وألمه ويسانده في تخطي مشاكله ويدخل البهجة في حياته.
أيها المسلمون، حَثَّ ديننا الإسلامي على ترك خلق الأنانية وحب الذات والتحلي بخلق الإيثار وحب الخير للناس والتآلف معهم ومساعدتهم، ومن أبرز القصص في السيرة النبوية قصةُ الأنصار مع المهاجرين إلى المدينة الذين قدَّموا كل ما لديهم من متاعٍ وطعامٍ ومأوًى إلى المهاجرين.
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله على نبيِّكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
______________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش