عنوان الفتوى : الطلاق أم الصبر على الزوجة الناشز؟
جزاكم الله كل خير، ورفع قدركم، وثبت أقدامكم يوم تبعثون. أنا شاب متزوج منذ ما يزيد عن سنتين. زوجتي إنسانة ملتزمة، وأنا أحبها على ما فيها من عيوب. وأحاول ما استطعت أن أتقي الله في معاملتها. المشكلة أني عندما تقدمت لخطبتها، أخبرتها بأني مطلق، ولكني أخفيت عنها أن لدي ولدا يعيش مع أمه، في بلد أجنبي بعيد. وقد ترددت كثيرا في فترة الخطوبة في إخبارها، إلا أني لم أخبرها؛ لما التمسته فيها من دين، وخلق. بعد حوالي العام من زواجنا، وبعد أن رزقنا ولدا. اكتشفت أمرين في ذات الوقت: اكتشفت أمر ابني الذي أخفيته عنها، واكتشفت أيضا أني أبحث عن الزواج بثانية. أقامت الدنيا لذلك ولم تقعدها، ولكن بعد مدة عادت زوجتي إلي، ولكن علاقتي معها، ومع أهلها لم تعد كالسابق أبدا. ورغم اعتذاري المتكرر، ورغم حسن معاملتي لها (والذي لا تنكره) ورغم مرور ما يقارب العام والنصف على الحادثة، إلا أنها في كل مناسبة تعيد تذكيري بأخطائي. وما زاد الطين بلة، علاقتها المتوترة مع أمي، التي لا أنكر تحملها بعض المسؤولية أحيانا، ولكن زوجتي انفعالية، وردود فعلها حادة، وقد صرخت في وجه أمي مؤخرا بأعلى صوتها، وخرجت من البيت رغم محاولة أمي استرضاءها، وسافرت دون إذني إلى بيت أهلها. كما وسبق لي أن ضربتها لنشوز وقع منها بعد وعظها، وهجرها في الفراش. والله يشهد أني ما ضربت وجهها، وما قبحتها، بل ضربتها بيدي على كتفها، وفخذها. وما أفاض الكأس، ودمر حياتنا بالكلية هو اتصال أخيها مؤخرا بطليقتي، التي كذبت عليه، وأخبرته بأني لا زلت على علاقة معها، وأني -والعياذ بالله- أزني بها باستمرار، وهي لا تريد بذلك إلا التفرقة بيني وبين زوجتي. فما كان من أخيها إلا أن أخبرها، وأخبر أهلها بذلك. وهي الآن في بيت أهلها، ترفض تصديقي، وأهلها كذلك. وأنا أعمل في بلاد الكفر، أعاني الوحدة، وأكتوي بنار الفتنة. وجزاكم الله عني كل خير. دلوني ماذا أفعل حيالها؟ وماذا أفعل لإصلاحها؟ وهل أطلقها أم أصبر عليها؟ بارك الله فيكم، وجعلكم مفاتيح خير، مغاليق شر.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس هنالك ما يمنع شرعا من إقدام الرجل على الزواج من امرأة، وله زوجة سابقة، أو ولد منها، فلا يلزمه أن يخبرها بشيء من ذلك قبل الزواج. فليس من حق زوجتك إذن مؤاخذتك بعدم إخبارك إياها، ولو أنك أخبرتها كان أفضل، وأقطع للنزاع.
وزواج الرجل من ثانية مباح، إن كان قادرا على العدل بينهما؛ لقوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً{النساء:3}، فالعدل هو الشرط الذي وضعه رب العالمين، فلم يشترط إذن الزوجة، أو إعلامها، وقد يكون إعلامها أفضل؛ لما ذكرناه سابقا من قطع باب النزاع. وننبه هنا إلى أن الزواج من ثانية وإن كان مشروعا، إلا أن الأولى تركه إن خشي أن يترتب عليه ضياع الأسرة، وتشتتها.
وخروج المرأة من بيت زوجها، أو سفرها بغير إذنه، أمر منكر، وفيه نشوز، ومجرد ما حصل من مشكلة بينها وبين أم زوجها، لا يسوغ لها الخروج أو السفر، خاصة وأنه قد ذكر هنا أنها اعتذرت لها. ولكن ننبه هنا إلى أن من حق الزوجة أن تكون في مسكن مستقل، يندفع عنها الحرج بوجود غيرها فيه: أم الزوج أو غيرها، وراجع الفتوى رقم: 66191، والفتوى رقم: 53895.
وإن صح ما ذكرت عن طليقتك من أنها أخبرت أهل زوجتك بأنك على علاقة معها، وتزني بها، وليس الأمر كذلك، فتصرفها هذا قد جمع جملة من الشرور كالكذب، والبهتان، وزرع الفتنة، وانظر الفتوى رقم: 25548، فالواجب نصحها بأن تتقي الله، وتتوب إليه مما فعلت، وتكذب نفسها، وتراجع الفتوى رقم: 111563.
وما ننصحك به في التعامل مع زوجتك هو أن يجلس العقلاء من أهلك، وأهلها، ليعينوك في الإصلاح بينك وبينها، أو اللجوء إلى الطلاق إن ترجحت مصلحته، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}.
وإن لم يكن الضرر من جهتك، فمن حقك أن تمتنع عن طلاقها حتى تفتدي منك بعوض، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 76251.
والله أعلم.