عنوان الفتوى : كيف أستطيع المشاركة في خدمة الإسلام؟
كيف يمكن للمسلم أن يخدم دينه ، ومجتمعه الذي يعيش فيه ؛ حتى ولو لم يكن متخصصا في العلم الشرعي ؟
الحمد لله.
نسأل الله أن يبارك في همتك ، وأن يثبتك على الدين .
واعلم أن خدمة الإسلام وأهله من أجلِّ الأعمال وأشرفها ، وأعظمها أجرًا ، وأكثرها مرضاة لله تعالى.
وطرق خدمة الإسلام كثيرة ومتنوعة ، وينبغي على كل مسلم أن ينظر في هذه الطرق ويسلك منها الطريق التي تناسبه ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
ونذكر من هذه الطرق :
أولا : الدعوة إلى الله تعالى :
والدعوة إلى الله من أعظم الأعمال نفعاً ، إذ ليس أعظم من الدعوة إلى توحيد الله تعالى ؛ ولذلك منح الله هذه الوظيفة لأفضل الخلق من بني آدم ، وهم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، وكذلك من سار على دربهم.
قال تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/33.
قال ابن كثير رحمه الله : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا ) : أي دعا عباد الله إليه.
وقال الله تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الإنعام/122.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( لَئِنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خيرٌ لك من حمر النعم ) رواه مسلم (34).
ومن الدعوة : إشاعة كل عمل إسلامي تراه أو تسمع به ، فتدل عليه وتخبر عنه ولك مثل أجر فاعله ، ويكون ذلك حديثا في المجالس أو نشرة عبر الصحف والمجلات والإذاعة ، أو من خلال المدرسة أو الجامعة أو التجمعات العائلية أو غير ذلك .
ومن ذلك : التحدث بفضائل هذا الدين ومحاسنه ، وإزالة الالتباس الذي زرعه الفكر السيء الدخيل على الأمة ، وهكذا تساهم في إزالة ما علق في أذهان الناس من تشويه للإسلام .
ثانيًا : تعليم الناس العلم النافع :
تعليم الناس العلم النافع ، كتعريفهم بالحلال والحرام ، وتعليمهم الأحكام الشرعية ، والأخلاق الحميدة ، ونحو ذلك من أعظم الأعمال التي تخدم الإسلام والمسلمين ، ولذلك وردت أدلة كثيرة في فضل تعليم الناس ، منها :
فعن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) رواه البخاري (5027).
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ ) أخرجه ابن ماجه (240) ، وحسنه الألباني .
وبما أنك تحب القراءة ولا تمل منها ، فيمكنك خدمة الإسلام من هذا الباب ، بتعليم الناس الخير وتحذيرهم من الشر ، وذلك بأن تطلب العلم وتقرأ الكتب ، ثم تعلم الناس القرآن والسنة والأحكام الشرعية .
وقد سبق وبينا في موقعنا كيفية طلب العلم والكتب التي يبدأ بها طالب العلم في عدة أجوبة ، منها : (230969)، (153227)، (178489) ، (14082)
ثالثًا : بناء المساجد :
وبناء المساجد وإعمارها وتهيئتها للمصلين ، من أفضل أعمال البر والخير التي رتب عليها الله تعالى ثوابا عظيمًا ، ومن أهم الأعمال التي يخدم بها الإسلام ؛ إذ هي بيوت الله تعالى في الأرض ، وفيها يتعلم الناس شرائع الإسلام ، كما أن بناءها من الصدقة الجارية التي يمتد ثوابها وأجرها حتى بعد موت الإنسان.
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) التوبة/18.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ ) رواه البخاري (450) ، ومسلم (533) واللفظ له .
وروى ابن ماجه (738) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ ، أوْ أَصْغَرَ ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) صححه الألباني .
والقطا طائر معروف ، ومَفْحص القطاة : موضعها الذي تبيض فيه ، وخصصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شجر ولا على رأس جبل ، إنما تجعل بيتها على بسيط الأرض دون سائر الطيور، فلذلك شبه به المسجد . ينظر : "حياة الحيوان" للدميري .
قال أهل العلم : وهذا مذكور للمبالغة ، أي ولو كان المسجد بالغا في الصغر إلى هذا الحد.
ومن شارك في بناء مسجد كان له من الأجر على قدر مشاركته ، وله أجر آخر على إعانته غيره على البر والتقوى .
ومن ذلك بناء دور تحفيظ القرآن وتعليم العلم الشرعي ، وبناء دور إيواء الأيتام والفقراء ، ونحو ذلك .
رابعًا : الإصلاح بين الناس :
قال الله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء/ 114.
أي : لا خير في كثير من الكلام الذي يُسِرُّه الناس ، ولا نفع منه ، إلا إن كان كلامهم أمرًا بصدقة ، أو معروف جاء به الشرع ودل عليه العقل ، أو دعوة إلى الإصلاح بين المتنازعين ، ومن يفعل ذلك طلبًا لرضا الله فسوف نؤتيه ثوابًا عظيمًا .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أفضل الصدقة إصلاح ذات البين ) رواه عبد بن حميد (335) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2639) .
خامسًا : إطعام الطعام:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير ؟ قال : ( تُطْعِمُ الطَّعَامَ , وَتَقْرَأُ السَّلَامَ , عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ) رواه البخاري (12) ، ومسلم (39).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ) رواه الترمذي (2485) ، وصححه الألباني في "الترغيب" (949).
سادسًا : كفالة الأيتام:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِى الْجَنَّةِ هَكَذَا ) ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " رواه البخاري (4998).
قال ابن بطال رحمه الله : " حق على كل مؤمن يسمع هذا الحديث أن يرغب في العمل به ليكون في الجنة رفيقاً للنبي صلى الله عليه وسلم ولجماعة النبيين والمرسلين " .
انتهى من "شرح البخاري "لابن بطال (9/217).
سابعًا : السعي على الأرملة والمسكين :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) رواه البخاري (5038) ، ومسلم (2982).
قال النووي في "شرح مسلم" (18/112) :" الْمُرَادُ بِالسَّاعِي : الْكَاسِبُ لهما ، العامل لمؤنتهما ، والأرملة من لا زوج لَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا ، وَقِيلَ هي التي فارقت زوجها .
قال بن قُتَيْبَةَ : سُمِّيَتْ أَرْمَلَةً لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنَ الْإِرْمَالِ ، وَهُوَ الْفَقْرُ وَذَهَابُ الزَّادِ بِفَقْدِ الزَّوْجِ ، يُقَالُ أَرْمَلَ الرَّجُلُ إِذَا فَنِيَ زَادُهُ " انتهى .
وقال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/267) :" والمراد أن الله تعالى يجمع له ثواب الصائم والقائم والمجاهد في دفعة ؛ وذلك أنه قام للأرملة مقام زوجها الذي سلبها إياه القدر ، وأرضاها عن ربها ، وقام على ذلك المسكين الذي عجز عن قيامه بنفسه ؛ فأنفق هذا فضل قوته ، وتصدق بجَلَدِه ؛ فكان نفعه إذا [ يكافئ ] الصوم والقيام والجهاد " انتهى .
هذا ومن الممكن خدمة الإسلام في الطب والهندسة وشتى العلوم الدنيوية ، وذلك بتسخيرها في خدمة المسلمين ، بناء على أحكام الشريعة وضوابطها .
وللتوسع في معرفة كيفية خدمة الإسلام ، راجع الكتب الآتية :
"كيف أخدم الإسلام" ؛ للشيخ عبد الملك القاسم .
"اترك أثرًا قبل الرحيل" ؛ للشيخ محمد صالح المنجد.
"كن نافعا أينما كنت" ، للشيخ محمد صالح المنجد
"مشروعك الذي يلائمك" ، للشيخ محمد صالح المنجد .
والله أعلم.