عنوان الفتوى : كيفية بداية المسلم لطلب العلم
ما هي نصيحتكم لمن يريد أن يبدأ رحلة طلب العلم من حيث ما يجب أن يبدأ به ؟ وكيف له ذلك؟
الحمد لله.
كيفية بداية المسلم لطلب العلم هو من الأمور الهامة ، فينبغي للطالب أن يحرص أن تكون بدايته صحيحة ، حتى يستقيم على الطريق ، ولا يضيع عليه الوقت والجهد .
والهدف من طلب العلم هو أن يصلح المسلم نفسه ويصلح غيره ، فينبغي أن تكون بداية الطالب بالأمور الهامة لنفسه أوّلا ثمّ لمن حوله .
فالخطوة الأولى :
على طالب العلم أن يبدأ بالإلمام بنصوص الوحي ، لأنها هي المنبع الرئيس لدين الله تعالى ، فيبدأ بحفظ القرآن الكريم بحسب طاقته وتفرغه ، ويحرص على تفهّم ما يحفظه ، وننصح في هذا بمطالعة تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى ؛ لأن مؤلفه ممن اشتهر بسلامة العقيدة ، كما تميّز تفسيره بسلاسة الأسلوب وسهولته .
وعلى الطالب في الوقت نفسه أن يجتهد في دراسة العقيدة والفقه ، لأنه لا يمكن تأخيرهما لمسيس حاجة الطالب إليهما لنفسه ، ولنصح وإرشاد من حوله .
أما العقيدة ، فقد سبق بيان التدرج في تعلّمها في الفتوى رقم : (226903) .
وأمّا الفقه ، فالأفضل أن يبدأ الطالب في التفقه على المذهب الذي ينتشر في بيئته للآتي :
1-لأنه يسهّل على الطالب وجود شيخ متمكن يتفقه على يديه ويرشده .
2-تعلّم مذهب أهل البلد يعين الطالب في دعوته لأهل بلده إلى الحق ، لأنه بذلك يتمكن من الاستعانه بكتبه وأقوال علمائه عند الحاجة لذلك .
وعلى هذا تبحث في بيئتك عن شيخ موثوق بعلمه ودينه ، فتبدأ معه بأيسر متن في المذهب ، يعطيك الراجح في المذهب ، ويرشدك الشيخ إلى دليل كل مسألة من غير إطالة ، ويجنّبك كثرة الأقوال التي لا تفيدك في بداية الطلب .
الخطوة الثانية :
مع حفظك للمنبع الأول لشرع الله تعالى وهو القرآن الكريم ، تشرع في ضبط المنبع الثاني وهو السنة النبوية ، وتبدأ بالأهم فالأهم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" لا كتاب أفضل من كتاب الله سبحانه وتعالى، والذي أحث إخواني عليه أن يعتنوا بالقرآن الكريم حفظًا وفهمًا وعملاً ، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات ، حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل ، يتعلمون العلم والعمل جميعًا .
ثم بعد ذلك الاعتناء بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث ، ومعلوم أن الأحاديث التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدًا ، وطالب العلم المبتدئ أو المتوسط ، لا يمكنه الإحاطة بها ، لكن هناك كتب مصنفة في هذا الباب يمكن الرجوع إليها مثل : كتاب " عمدة الأحكام " لعبد الغني المقدسي رحمه الله ، وكتاب " الأربعين النووية " للنووي رحمه الله وغير ذلك من الكتب المختصرة ، ثم بعد هذا يرتقي إلى الكتب المطولة نوعًا ما مثل كتاب : " بلوغ المرام " و " المنتقى من أخبار المصطفى " ، ثم بعد هذا يزداد في قراءة كتب الأحاديث المصنفة : كصحيح البخاري وصحيح مسلم " .
انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (26 / 375 - 376) .
وبعد أن تكون قد انتهيت من بناء قاعدة صلبة في الفقه ، وألممت بأهم مسائل العقيدة ، تبدأ في تحضير نفسك للتعمق في شرع الله ، ومعرفة الخلاف ، وكيفية الترجيح بين المسائل ، ولهذه المهمة آلات تعين عليها ، ولا يمكن الاستغناء عنها ، وهي ما تسمى بعلوم الآلة وأهمها : علم النحو والصرف ، وعلم أصول الفقه ، وعلم الحديث .
فبالنسبة لعلم الحديث فنحيلك على الفتوى رقم : (153227) ، فقد بينت وفصّلت كيف يكون طلب علم الحديث .
وأما بالنسبة لأصول الفقه ، فالأفضل أن يتدرج الطالب في معرفته بحسب كتب أصول المذهب الذي يتفقه عليه ، فتستشير شيخك في الفقه ، ليرشدك إلى كيفية الدخول في علم أصول الفقه .
وأما بالنسبة لعلم النحو والصرف .
فتكون البداية بمتن " الأجرومية " وشرحها " التحفة السنية " للشيخ محي الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى .
ثم كتاب " قطر الندى وبلّ الصدى " لابن هشام .
ثم بعد ذلك " ألفية ابن مالك " مع شرح ابن عقيل رحمه الله تعالى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" أما في النحو: فيأخذ بالكتب المختصرة أولاً مثل كتاب " الأجرومية " فإنه كتاب مختصر مبارك مفيد ، مقسم تقسيمًا يحيط به المبتدئ ، ولاسيما إذا يسر الله له من يقربه بالشرح ، ثم بعد هذا أنصحه بأن يحفظ ألفية ابن مالك رحمه الله ويتفهم معناها ؛ لأنها ألفية مباركة فيها خير كثير " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (23 / 376) .
ويضيف إلى هذه الكتب كتابا من الكتب المفصّلة لأبواب الصرف التي لم يتناولها صاحب الألفية ، ويختار ما يراه سهلا .
الخطوة الثالثة :
بعد أن يلمّ الطالب بأهم آلات الاجتهاد ، يبدأ الطالب في مرحلة التعمق في معرفة الخلاف ، وطرق الترجيح ، سواء في الفقه أو التفسير أو شروح الأحاديث .
ثم لا بد للطالب أن يتلبّس بآداب طلب العلم وأخلاقه وقد سبق بسطها في الموقع في الفتوى رقم : (10324) .
والله أعلم .