عنوان الفتوى : نصيحة للقائمين على المنتديات التي لا تلتزم بالضوابط الشرعية
هناك صفحة على الفيس بوك لحل المشاكل، يوميًّا يُرسل إليها عشرات الرسائل عن مشكلات عاطفية، وعلاقات غير شرعية، ويقل أن تُرسل رسائل في غير هذه المواضيع، فما واجبنا تجاه صفحات كهذه؟ خاصة أن المدير عليها لا يجعلها تسري وفق ضوابط دينية شرعية؛ فيوجد سخرية من صاحب المشكلة المعروضة على العام بالصفحة، وأيضًا اختلاط في التعليقات، وبعض النصائح العاطفية المخالفة للدين، فتكون محرمة، بل تصبح بمثابة حث على المنكر. بالطبع لا يمكن تغيير كل ذلك، فالصفحة بها أعضاء، ومتابعون كثر، ومن المهم -كما أعلم- ترك مكان المنكر إن لم نستطع تغييره وإزالته، ويتمثل ذلك هنا بإلغاء الاشتراك بالصفحة؛ فسؤالي: بإمكاني أن أرسل قبل مغادرة الصفحة رسالة لمديرها، وأريد فيها شيئًا من الحكمة والتأثير، فماذا تقترحون أن يكون محتواها؛ ليؤدي حق الله فيهم، وتبرأ ذمتي -حفظكم الله ورعاكم-؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإننا نقترح أن يكون محتوى هذه النصيحة قائما في البداية على التذكير بالله تعالى وباليوم الآخر، وأن الدنيا دار زوال وفناء، وفتنة وابتلاء، يميز الله فيها الخبيث من الطيب، كما قال تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال: 37]. وروى الطبري عن ابن جريج في قوله تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قال: أما الدنيا فتعلمون أنها دار بلاء ثم فناء، والآخرة دار جزاء ثم بقاء، فتتفكرون فتعملون للباقية منهما. اهـ.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها؛ فينظر كيف تعملون. رواه مسلم. قال النووي: معنى "مستخلفكم فيها": جاعلكم خلفاء من القرون الذين قبلكم، فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيته وشهواتكم؟ اهـ.
ولذا كان الواجب على العاقل أن تتعلق همته بآخرته، فلها يعمل، وإليها يطمح، وقد قدر الله الحكيم أن من فعل ذلك لا يضيع حظه من الدنيا، بل يعطيه الله خيرها، ويحفظه من شرها، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كانت الآخرة همه؛ جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ثم تحتوي بعد ذلك التحذير من التعاون على الإثم، والترهيب من الدعوة إلى المعاصي، وتزيين الشرور والرذائل؛ فإن فاعل ذلك يبوء بإثمه وإثم من تأثر به، كما قال الله سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ [يس/12]. قال ابن كثير: أي: نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فنجزيهم على ذلك أيضًا، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، كقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومَنْ سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا" رواه مسلم. اهـ.
وقال ابن حجر في (فتح الباري): من سن شيئًا كتب له أو عليه، وهو أصل في أن المعونة على ما لا يحل حرام. اهـ.
وأخيرًا: التذكير بخطر العلاقات العاطفية خارج إطار الزواج الشرعي، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 61255. ولمزيد الفائدة يمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 284698.
والله أعلم.