عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في صلاة الجنب لا يجد الماء والتراب
خرج مني في الساعات الماضية مني، ولا أستطيع الاغتسال، ولا يوجد تراب قريب مني كي أتيمم للصلاة، فماذا أفعل؟ كما أن الوساوس تطاردني بأنني مراء. وجزاكم الله خيرا على عملكم هذا الذي استفدت منه كثيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا خرج منك المني ولم تجد بعد البحث ماءً تغتسل به، ولا ترابا تتيمم به، ولم تجد غير التراب مما تصاعد على وجه الأرض مما يجيز بعض العلماء التيمم به، فأنت ـ والحال هذه ـ فاقد للطهورين، فيجب عليك أن تصلي على حسب حالك مقتصرا على فعل ما تصح به الصلاة، ولا يلزمك إعادة تلك الصلاة، وإن أعدتها بعد أن تغتسل احتياطا وخروجا من الخلاف، فهو أولى، قال ابن قدامة مبينا حكم صلاة فاقد الطهورين وخلاف العلماء فيه: وَإِنْ عَدِمَ بِكُلِّ حَالٍ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَقْدِرَ، ثُمَّ يَقْضِيَ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تُسْقِطُ الْقَضَاءَ، فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، كَصِيَامِ الْحَائِضِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلِّي وَلَا يَقْضِي، لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الطَّهَارَةِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، كَالْحَائِضِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَذَكَرَ عَنْ أَصْحَابِهِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي: يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَيُعِيدُ، وَلَنَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أُنَاسًا لِطَلَبِ قِلَادَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَلَا أَمَرَهُمْ، بِإِعَادَةٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ، فَلَمْ تُؤَخَّرْ الصَّلَاةُ عِنْدَ عَدَمِهَا، كَالسُّتْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِذَا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ، فَخَرَجَ عَنْ عُهْدَتِهِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ، فَيَسْقُطُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ، كَسَائِرِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا. انتهى.
وقال البهوتي ـ رحمه الله ـ في المنح الشافيات: من عدم الماء والتراب صلى الفرض فقط على حسب حاله، ولا يزيد على ما يجزي، وكذا لو كان به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بماء ولا تراب فيصلي الفرض فقط على حسب حاله، ولا إعادة عليه. انتهى.
وقال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى وهو يتكلم عمن وجد غير التراب مما تصاعد على وجه الأرض مما يجيز بعض العلماء التيمم به: وَيَتَّجِهُ تَيَمُّمُهُ ـ أَيْ: فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ ـ عِنْدَ عَدَمِ تُرَابٍ بِكُلِّ مَا تَصَاعَدَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَحْوِ رَمْلٍ كَنَحِيتِ حِجَارَةٍ، وَجِصٍّ، وَنَوْرَةِ كُحْلٍ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. انتهى.
وأما وساوس الرياء: فعليك أن تدافعها وأن تجتهد في فعل الطاعات ولا تترك شيئا منها خوف الرياء، فإن هذا من تلبيس الشيطان، واحرص على تحصيل الإخلاص، وألا تعمل عملا إلا وأنت تبتغي به وجه الله تعالى دون غيره، وانظر الفتوى رقم: 152237.
والله أعلم.