عنوان الفتوى : هل المساهمة في درء القصاص عن القاتل تنزل منزلة عتق العبيد
أحسن الله إليكم. ينتشر أحيانا عن طريق الواتس، أو تويتر، أو غيرها من ينادي بعتق رقبة فلان من القصاص، بمساعدته ماليا عن طريق حسابات بعض البنوك. سؤالي:هل الأجر في هذا الفعل ينزل منزلة من أعتق رقبة عبد فجعله حرا؟ وهل يغني عن الكفارة الموجبة لعتق الرقبة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمساهمة في درء القصاص إلى العفو على مال، والمشاركة في دفع المال عمل صالح، ونفقة مشروعة، وتفريج كرب عن مسلم، وانظر الفتوى رقم: 103431.
ولكنه لا يدخل اصطلاحا تحت باب عتق الرقاب.
قال الشيخ صالح المغامسي -حفظه الله-: وفي عصرنا هذا نسمع كثيراً أن من فك الرقاب، أن يذهب إنسان إلى السجن، فيجد شخصاً محكوماً عليه بالقصاص، فيعطي ورثة القتيل المطالبين بالمال أكثر من الدية، كأن تكون الدية مائة ألف، فيقول: أنا سأعطيكم مليوناً، ولكن اتركوا هذا. فهذا النوع من فك الرقاب لا يدخل في الزكاة، فهو عمل خير، وفضل، وصدقة، ولكنه لا يدخل في مصارف الزكاة، إذ إن عبادة الله تكون بدلالة القرآن، لا باللهجة السائرة بين الناس. فالقرآن أنزل عربياً، ومن يعرف لغة العرب يستطيع أن يتعامل مع القرآن، أما اللهجات الدارجة التي تتغير، فلا تحكم بها. انتهى.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: وَفِي الرِّقابِ. أي في فك الرقاب. ثم فيه قولان:
أحدهما: أنهم المكاتبون، يعانون في كتابتهم بما يعتقون به، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، والحسن، وابن زيد، والشافعي. والثاني: أنهم عبيد يشترون بهذا السهم ويعتقون. رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مالك بن أنس، وأبو عبيد، وأبو ثور. وعن أحمد كالقولين. انتهى.
وزاد بعض العلماء فك الأسير.
قال ابن قدامة في الكافي: ويجوز أن يفك منها أسيراً مسلماً؛ لأنه فك رقبة من الأسر. انتهى.
وننبه هنا إلى أن العفو قد لا يكون مطلوبا في بعض المواضع.
قال العثيمين في شرح الزاد: وقوله: «وعفوه مجاناً أفضل» ظاهر كلامه أنه أفضل مطلقاً، سواءً كان هذا الجاني ممن عرف بالظلم والفساد، أم ممن لم يعرف بذلك؟
لكن الصواب بلا شك ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ حيث قال: إن العفو إحسان، والإحسان لا يكون إحساناً حتى يخلو من الظلم والشر والفساد؛ فإذا تضمن هذا الإحسان شراً وفساداً أو ظلماً، لم يكن إحساناً ولا عدلاً، وعلى هذا فإذا كان هذا القاتل ممن عرف بالشر والفساد، فإن القصاص منه أفضل. ويدل لما قاله شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ قوله تعالى: {{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}} [الشورى: 40]، وهل العافي عن المجرم الظالم المعتدي، المعروف بالعدوان، مُصلح؟! لا؛ لأنه إذا عفي عنه اليوم، فقد يقتل واحداً أو عشرة غداً، فمثل هذا لا ينبغي أن يعفى عنه، وإن لم نقل بتحريم العفو، فإننا لا نقول بترجيحه. انتهى.
وقد بينا بالفتوى رقم: 197501 أن المساهمة في دفع دية مقتول، لا يغني عن كفارة عتق رقبة.
والله أعلم.