عنوان الفتوى : مذاهب العلماء فيمن يتحمل دية قتل الخطأ
توفيت زوجتي في حادث سيارة وأنا عائد من المدينة المنورة للزيارة أنا وزوجتي، وكنت أنا السائق، وأنا المخطئ، ولي منها بنت تبلغ من العمر 8 أعوام، وقد سددت الدية المقررة شرعا والمتفق عليها لورثة الزوجة، ولدي بعض المال أريد شراء سيارة خاصة بي، فهل من الواجب شرعا أن أكتب هذا المال أو أدخره ﻻبنتي حيث إنني ملزم بالسداد لها كما أعطيت أهل أمها؟ أم في اﻷمر متسع بحيث يمكن التأجيل إلى حين بلوغ البنت، حيث إن المال ﻻ يلزمها بشكل عاجل في الوقت الحالي، والمال الذي سأنفقه لشراء السيارة هو ثلث مالها في ذمتي تقريبا، والمبلغ اﻹجمالي فوق ما أتحمل حاليا حسب الوضع الحالي؟ والدية تجب علي وعلى العاقلة، وﻻ أحد من أقاربي تمكنه المساعدة، والبنت تحت وصايتي وأنا القائم على مالها، فهل يعتبر ما سأفعله من أكل مال اليتيم؟. وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت أنت المخطئ في هذا الحادث، فإنه تجب عليك كفارة قتل الخطأ، بصيام شهرين متتابعين، طالما لم تجد رقبة مؤمنة تعتقها، لقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ... إلى أن قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {النساء: 92}.
وأما الدية: فإنها لا تجب في قتل الخطأ على الجاني، بل على عاقلته، فإن عجزت العاقلة أو لم توجد، فإنها تجب في بيت مال المسلمين، فإن عدم بيت المال أو لم يكن منضبطا، فقد اختلف أهل العلم في لزوم الدية في مال الجاني نفسه، والمذهب عند الحنابلة أنها تسقط عنه، جاء في الموسوعة الفقهية: إذا لم يكن للجاني عاقلة، وتعذر حصول الدية من بيت المال لعدم وجوده أو عدم ضبطه، فهل يسقط الدم، أو تجب الدية كاملة على الجاني نفسه؟ اختلف الفقهاء: فقال الحنفية والمالكية وهو الأظهر عند الشافعية واختاره ابن قدامة من الحنابلة: أنها تجب في مال الجاني، وذهب الحنابلة إلى أنها تسقط بتعذر أخذها من بيت المال حيث وجبت فيه، ولا شيء على القاتل، وهذا هو المذهب عندهم، ولا على العاقلة أيضا لعجزها عن أداء ما وجب عليها من الدية، ولو أيسرت العاقلة بعد ذلك أخذت الدية منها كاملة، لئلا يضيع دم المسلم هدرا، قال الرحيباني: وهذا متجه، ويتجه أنه إذا تعذر أخذ الدية من بيت المال فتجب في مال القاتل، وفي وجه عند الشافعية: لا تؤخذ من الجاني بل تجب على جماعة المسلمين كنفقة الفقراء، كما ذكره النووي في الروضة. اهـ.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 110451.
ثم إن الدية في قتل الخطأ لا تكون معجلة على العاقلة، بل مقسطة على ثلاث سنين، جاء في الموسوعة الفقهية: دية الخطأ تجب على عاقلة الجاني مؤجلة في ثلاث سنين باتفاق الفقهاء... ودليل تأجيلها كما قال الكاساني: إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على ذلك، فإنه روي أن عمر رضي الله عنه قضى بذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينقل أنه خالفه أحد فيكون إجماعا. اهـ.
وإذا تقرر هذا، فعلى مذهب الحنابلة لا يجب على السائل شيء من الدية، طالما عجزت عاقلته، وعلى مذهب الجمهور تجب عليه، ولكن مقسطة على ثلاث سنوات، فالأمر ـ بحمد الله ـ فيه سعة.
ولا حرج على السائل في شراء سيارة إذا كان محتاجا إليها، وليست زائدة عن حاجته، شأنها شأن بقية نفقاته على سائر حاجاته، فلا يجب عليه أن يدخر من ماله شيئا لأجل الدية الواجبة لابنته إلا بعد أن ينفق على نفسه بالمعروف، ثم إنه لا حرج على السائل أن يحتسب نفقته على ابنته من مالها الذي ورثته من دية والدتها، لأن النفقة لا تجب على الوالد لابنته إذا كان لها مال يغنيها، بل إن له أن يأخذ من مالها ما يكفيه بالمعروف إذا كان فقيرا محتاجا، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 297778، 9434، 218284.
والله أعلم.