عنوان الفتوى : حول صحة حديث " يؤتى بشارب الخمر يوم القيامة مسودا وجهه ..."
روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( أنه يؤتي بشارب الخمر يوم القيامة مسوداً وجهه ، مزرقة عيناه ، متدلياً لسانه علي صدره ، يسيل بساقه مثل الدم ، يعرفه الناس يوم القيامة ، فلا تسلموا عليه ، ولا تعودوه إذا مرض ، ولا تصلوا عليه إذا مات ، فإنه عند الله سبحانه وتعالي كعابد الوثن) فما صحة هذا الحديث ؟
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث لا يصح ، وقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من خمسة طرق :
الطريق الأول :
أخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/502) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/42) ، من طريق مُحَمد بْن يَزِيدَ السَّلَمِيّ ، قال حَدَّثَنا أبو مطيع ، قال حَدَّثَنا أَبُو الأشهب جَعْفَر بْن الحارث ، عَن ليث ، عَن سَعِيد بْن جبير ، عنِ ابْن عُمَر ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لا تجالسوا شربة الخمر ، ولاَ تعودوا مرضاهم ، ولاَ تشهدوا جنائزهم ، فإن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسودا وجهه ، مدلعا لسانه عَلَى صدره ، يسيل لعابه عَلَى بطنه ، يقذره كل من رآه ) .
وهذا الطريق فيه أكثر من علة ، إلا أن آفته أبو مطيع البلخي الحكم بن عبد الله ، فإنه متهم بالوضع ، اتهمه ابن حبان في "المجروحين" (2/103) ، والجوزقاني في "الأباطيل والمناكير" (1/147) ، والذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/42) .
وقد حكم عليه بالوضع ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/42) ، والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/174) .
الطريق الثاني :
أخرجه أبو علي الحداد في "معجمه" ، ونقله عنه بإسناده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/174) ، من طريق أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن سهل بْن بَحر البقالي ، قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن تَمِيم ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن يَزِيد ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْأَشْعَث ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْل بْن عِياض ، عَنْ لَيْث ، عَن مُجَاهِد ، عَن ابْن عُمَرَ مَرْفُوعًا به .
وإسناده موضوع أيضا .
فيه : إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل ، قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/88) :" سألت أبي عن إبراهيم بن الأشعث ، وذكرت له حديثا رواه عن معن عن ابن أخي الزهري عن الزهري ؟
فقال : هذا حديث باطل موضوع ، كنا نظن بإبراهيم بن الأشعث الخير فقد جاء بمثل هذا ". انتهى .
وقال الدارقطني :" يحدث عَن الثِّقَات بِمَا لَا أصل لَهُ " انتهى من "تعليقات الدارقطني على المجروحين" (ص95) .
الطريق الثالث :
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" ، ونقله عنه بإسناده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/174) ، من طريق عَبْد الْملك بْن عَبْد الْغفار ، قال حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُور عَبْد اللَّه بْن عِيسَى بْن إِبْرَاهِيم ، قال حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الْفَضْل الكِنْديّ ، قال حَدَّثَنَا بدر بْن الْهَيْثَم القَاضِي ، قال حَدَّثَنَا أَبُو كريب ، عَنْ هِلَال بْن مِقْلَاص ، عَنْ لَيْث بْن أبي سُلَيْم ، عَن عُبَيْد الله بْن عُمَر ، عَن ابْن عُمَرَ مَرْفُوعا بِهِ .
وإسناده ضعيف ، فيه " ليث بن أبي سليم " ، وهو ضعيف مضطرب الحديث ، ضعفه النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (511) ، وقال أحمد بن حنبل :" مضطرب الحديث ولكن حدث الناس عنه " ، وقال ابن معين :" ليس حديثه بذاك، ضعيف " ، وقال أبو زرعة وأبو حاتم :" لا يشتغل به هو مضطرب الحديث " انتهى من "الجرح والتعديل" (7/178) .
الطريق الرايع :
أخرجه الشيرازي في "الألقاب" ، ونقله عنه بإسناده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/174) ، من طريق مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الطَّبَرَانِيّ ، قال أَنْبَأَنَا أَبُو حَاتِم بْن عَبْد اللَّه بْن حَاتِم الجباري بِمصْر ، قال حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه الْأَزْدِيّ أَبُو الْقَاسِم ، يُعرف بِابْن المدور ، قال حَدَّثَنَا حبيب بْن زُرَيْق ، قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيّ ، عَن نَافِع ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَن رَسُول الله قَالَ:( منْ مَاتَ وَهُوَ مدمن خمر لَقِي اللَّه وَهُوَ مسود الْوَجْه ، مظلم الْجوف ، لِسَانه سَاقِط عَلَى صَدره ، يقذره النّاس ) .
وإسناده موضوع ، وآفته " حبيب بن زريق" ، كذاب ، قال فيه أحمد بن حنبل :" ليس بثقة " ، وقال ابن معين :" كذاب " انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (1/265) .
الطريق الخامس
أخرجه الواحدي في "الوسيط" (311) ، من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ ، قال حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ السامي ، قال حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لا تُجَالِسُوا شَرَبَةَ الْخَمْرِ ، وَلا تُشَيِّعُوا جَنَائِزَهُمْ ، وَلا تُزَوِّجُوهُمْ وَلا تَتَزَوَّجُوا إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُسْوَدًّا وَجْهُهُ مُزْرَقَّةً عَيْنَاهُ ، يُدْلِعُ لِسَانَهُ عَلَى صَدْرِهِ ، يَسِيلُ لُعَابُهُ عَلَى بَطْنِهِ، يَقْذُرُهُ مَنْ يَرَاهُ ).
وإسناده تالف واه ، فيه :" علي بن الحسن السامي " ، قال ابن حبان في "المجروحين" (2/114): " لَا يحل كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب " انتهى ، وقال ابن عدي في "الكامل" (6/361) في أحاديثه :" كلها بواطيل ليس لها أصل ، وَهو ضعيف جدا " انتهى .
وقد روي نحوه عن عمرو بن العاص أو عن عبيد الله بن عبد الله بن عمرو بن العاص من قوله:
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (17074) من طريق ابْنِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:( يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَارِبُ الْخَمْرِ مُسْوَدًا وَجْهُهُ ، مُزْرَقَةٌ عَيْنَاهُ ، مَائِلٌ شِقُّهُ ) ، أَوْ قَالَ:( شِدْقُهُ مُدْلِيًا ، لِسَانُهُ يَسِيلُ لُعَابُهُ عَلَى صَدْرِهِ ، يَقْذُرُهُ كُلُّ مَنْ يَرَاهُ ) .
هكذا جاء في المطبوع من مصنف عبد الرزاق ، جعله من قول "عبيد الله" . لكن عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (3/283) إلى عبد الرزاق ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، الصحابي ، رضي الله عنه .
وهو لا يصح على الوجهين ، وعلته ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف مضطرب الحديث كما قدمنا آنفا .
ثانيا :
وأما عن السلام على شارب الخمر وعيادته ، فقد جاء فيه أثر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، إلا أنه ضعيف لا يصح عنه .
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (529) من طريق عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:( لَا تَعُودُوا شُرَّابَ الْخَمْرِ إِذَا مَرِضُوا ) .
وأخرجه أيضا في "الأدب المفرد" (1017) بنفس الإسناد :" بلفظ :( لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شُرَّابِ الْخَمْرِ ).
وإسناده ضعيف ، فيه عبيد الله بن زحر ، قال علي بن المديني " منكر الحديث " ، وقال ابن معين :" ليس بشيء " . انتهى من "الجرح والتعديل" (5/315) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/62) :" مُنكر الحَدِيث جدا يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات " انتهى ، وضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الأدب المفرد" (78) ، (158) .
على أنه يشرع هجر شارب الخمر ، لحق الله ؛ متى كان في هجره مصلحة شرعية ، كأن ينزجر عن معصيته ، ويتوب عنها ، أو يكون في ذلك تحذير لغيره أن يغتر به ، أو يتعابعه على فعلته ، لا سيما من كان مجاهرا بذلك ، مستخفا به .
وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم : (239089) ، ورقم (224640) .
ثالثا :
وأما الجملة الأخيرة من الحديث الذي أورده السائل الكريم وهي قوله :" إذا مات فإنه عند الله سبحانه وتعالي كعابد الوثن " : فهي أشهر جمل هذا الكلام المنقول ، وأثبتها في الرواية .
أخرجه أحمد في "المسند" (2453) ، وابن حبان في "صحيحه" (5347) ، من طريق ابن عباس به .
وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (3375) ، من طريق أبي هريرة بنحوه .
وأخرجه البزار في "مسنده" (2380) ، من طريق عبد الله بن عمرو بنحوه .
وقد جاءت هذه الجملة من عدة طرق ، وإن كانت عامة هذه الطرق: لا تخلو من علة وضعف .
ينظر : "التفسير من سنن سعيد بن منصور" رقم (818) ، وحاشية المحقق .
لكن ذهب الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (677) إلى أن : " الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح ". انتهى .
وينظر : "المطالب العالية" ، لابن حجر (8/621-623) ، وحاشية المحقق .
وينظر ما جاء في عقوبة شارب الخمر : جواب السؤال رقم : (20037) .
والله أعلم .