عنوان الفتوى : هل المتطوع أمير نفسه؟
إذا شرع الإنسان في عبادة نافلة أي غير مفروضة، كصلاة الضحى وصيام يوم عرفة، وحج التطوّع،هل له أن يخرج من هذه العبادة، أو لا بدّ من إتمامها، وإذا خرج منها هل يجب عليه أن يقضيَها أو لا يجب ؟
يقول الله سبحانه ( يا أيُّها الذِينَ آمَنوا أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرّسولَ ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُمْ ) [ سورة محمد : 33 ] .
روى البخاري وغيره أن سلمان أمر أبا الدّرداء بأن يُفطِرَ من صوم كان متطوّعًا فيه ـ وذلك عند ما زاره فصنع له طعامًا ولم يأكل معه لأنّه صائم ـ ولمّا ذكرا ذلك للنبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال:” صدق سلمانُ” .
وروى مسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال ” هل عندكم شيءٌ ” ؟ فقلت : لا ، قال ” فإنِّي صائم ” ثم مرَّ بعد ذلك اليوم وقد أُهْدِيَ إلى حَيْسٌ، فخبّأت له منه، وكان يحب الحَيْسَ، قلت: يا رسول الله إنّه أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ فخبّأت لك منه ، قال ” أدْنيه، أما إني قد أصبحتُ وأنا صائم ” فأكل منه ثم قال لنا ” إنّما مثل صوم التطوّع مثل الرجل يخرج من ماله الصّدقة، فإن شاء أمْضاها وإن شاءَ حبَسها ” هذا لفظ رواية النسائي وهو أتمُّ من غيره.
وروت أم هانئ قالت : دخلت على رسول الله ـ صَلَّى الله عليه وسلّم ـ فأتى بشراب ناوَلَنيه فشربْتُ منه، ثم قلت : يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة ، فقال لها ” أكنتِ تقضين شيئًا”؟قالت : لا ، قال ” فلا يضرُّك إن كان تطوُّعًا” رواه سعيد وأبو داود . وفي رواية لأحمد والدارقطني والبيهقي أنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال لها ” إنّ المتطوِّع أمير نفسه، فإن شئتِ فصومي وإن شئتِ فأفْطري ” وروى الحاكم مثله وصححه.
ورُوِيَ عن عائشة أنّها قالت: أصبحت أنا وحفْصة صائمتين متطوِّعتين فأهدى لنا حَيْسٌ فأفطرنا. ثم سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” اقْضيا يومًا مكانه ”
.
مَن شرع في عبادة مفروضة حرُم عليه أن يفسدَها أو يبطلها، بناء على ما ورد في مُبطلات الصلاة والصيام والحجِّ من النصوص، وعليه أن يُعيد هذه العبادة على وجهِها الصحيح أو يقضيها إن فاتَ وقتها، وإلى جانب النصوص الخاصّة بكل عبادة تنهى الآية المذكورة عن إبطال الأعمال، وهو يشمل الإبطال المادي والمعنوي، ومن المعنوي الرّياء الذي يُبطل الثواب وإن لم يبطل مادة العمل، وعدم الخشوع في الصلاة، والكَذب والزُّور والغِيبة في الصيام، والرَّفَث والفسوق والجدال في الحجّ في بعض معاني هذه الأمور، فهي تبطل الثواب ولا تبطل الصّحة فلا تلزم الإعادة أو القضاء .
أمّا مَن شرع في عبادة غير مفروضة كالأمثلة المذكورة في السؤال فإن الخروج منها وإبطالها ماديًّا اختلف العلماء في جوازه ومنعه، ففريق قال بجواز الخروج وعدم وجوب الإتمام، بناء على الحديث الأول عن عائشة والحديث الثاني عن أم هانئ إلى جانب حديث سلمان وأبي الدرداء وأجابوا على الآية باحتمال أن يكون النّهي عن إبطال الثواب، فهو ليس نصًّا في الإبطال المادي. كما أجابوا على الحديث الثالث الوارد في عائشة وحفْصة بالضّعف، قال عنه أبو داود: لا يثبُت، وقال الترمذي: فيه مقال ، وضعّفه الجوزجاني وغيره، وإن قبل هذا الحديث فأمر الرسول لهما بالقضاء للاستحباب لا للوجوب . وقالوا : يُستحب إتمام النَّفْل ويُستحَبُّ قضاؤه إن أبطله وذلك للخروج من الخلاف.
وهذا الرأي مَروي عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود. وبه أخذ أحمد والشافعي.
وفريق قال بحُرمة الخروج من التطوّع وبوجوب إتمامه، ودليلهم في ذلك الآية الناهية عن إبطال الأعمال، والحديث الثالث الوارد في عائشة وحفْصة ، ورد عليهم الأوّلون بما سبق ذكره .
وعلى هذا الرأي أبو حنيفة ومالك، فالنَّفْل يَلزَمُ بالشُّروع فيه ولا يُخرَج منه إلا لعُذر، فإن خرجَ وجب القَضاء عند أبي حنيفة، ولا يَجب عند مالك هكذا قال ابن قدامة، لكن جاء في فقه المذاهب الأربعة أن المالكيّة قالوا: يجب قضاء النفل إذا أفسده، فيبدو أن ما قاله ابن قدامة رواية أخرى عن مالك.
هذا، وإذا كانت الأحاديث ورادة في الصوم فإن سائر النوافل من الأعمال حكمها حكم الصوم، في أنها تلزم بالشروع فيها أو لا تلزم، وفي أنها تقضى أو لا تقضى .
لكن الحجّ والعمرة لهما حكم آخر إذا كانا غير واجبين، فإنّهما يخالفان سائر العبادات في هذا ، فيجب إتمامهما بالشروع فيهما، ولا يخرج منهما بإفسادهما، وذلك لتأكد إحرامهما كما يقول ابن قدامة في كتابه ” المغني ” انظر صفحة 89 ، 90 ، 112 من الجزء الثالث وانظر ص 255 من الجزء السادس عشر من تفسير القرطبي ونيل الأوطار ج4 ص 209 هذا ما قاله العلماء في إتمام النّفل، وللقارئ اختيار ما يراه فدين الله يُسر.