عنوان الفتوى : هل يجوز أن يقول العبد: بإذن الله، أنا في الجنة؟
هل يجوز أن يقول العبد: بإذن الله، وبإرادة الله أنا في الجنة؟ وحين تناقشت معه قال لي: هذا من حسن الظن بالله، فهل يجوز هذا؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا ينبغي للعبد أن يقول: أنا في الجنة ـ لما في هذه الكلمة من تزكية للنفس، ورجم بالغيب، وقد قال الله عز وجل: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {النجم:32}، وقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا {النساء: 49}.
وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية ما رواه أحمد عن عمر أنه قال: من قال: هو في الجنة، فهو في النار.. اهـ.
وهذا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في الجنة كان خائفًا من مكر الله تعالى، ولم يحمله حسن ظنه بالله أن يقول تلك الكلمة؛ من شدة خوفه، بل روى البيهقي، وابن أبي شيبة عنه: أنه أخذ تبنة من الأرض، فقال: ليتني هذه التبنة، ليتني لم أك شيئًا، ليت أمي لم تلدني. اهـ.
ولما طُعِنَ وحضرته الوفاة: جَاءَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدَمٍ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. والأثر في صحيح البخاري.
وعبد الله بن سلام ـ رضي الله عنه ـ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، ومع هذا لما سمع أن أناسًا يقولون عنه ذلك قال: اللَّه أَعْلَم بِأَهْلِ الْجَنَّة.
وفي رواية: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ. والاثر في الصحيحين.
قال الحافظ في الفتح: وَإِنَّمَا قَالَ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْم ـ عَلَى سَبِيل التَّوَاضُع كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَرَاهَة أَنْ يُشَار إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ؛ خَشْيَة أَنْ يَدْخُلهُ الْعُجْب. اهـ.
فإذا كان هؤلاء الموعودون بالجنة المحسنون الظن بالله تعالى لم يقولوا تلك الكلمة خوفًا من الله تعالى، وعدم أمن من مكره، وخوفًا من العجب، فكيف بغيرهم!؟.
والله أعلم.