عنوان الفتوى : حديث اختلاف أمتي رحمة
هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” اختلاف أمّتي رحمة” وكيف يكون الاختلاف رحمة، والدّين بقُرآنه وحديثه يدعو إلى الوحدة ؟
هذا الحديث ذكره البيهقي تعليقًا في رسالته، وأسنده في المدخل من حديث ابن عباس بلفظ ” اختلاف أصحابي لكم رَحمة ” وإسناده ضعيف كما قال العراقي في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين”ج 1 ص 25″.
وسبب هذا القول كما ذكره بعض الكتاب أن أعرابِيًّا حلف ألا يقرَب زوجته حينًا من الدّهر، ولم يعرف هذا الأعرابي مدة ذلك الحين الذي أقسم عليه، فذهب إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليسأله
فلم يجده، فسأل أبا بكر رضى الله عنه فقال: اذهب فطلِّق امرأتك، فالحين هو العمر كله، وسأل عمر رضى الله عنه فقال : إن عِشت أربعين سنة يمكنك أن ترجِعَ إلى امرأتك، فالحِين أربعون سنة، وسأل
عثمان رضى الله عنه فقال: امكث عامًا ثم ارجع إلى امرأتك، فالحين عام فقط، وسأل عليًّا رضى الله عنه فقال له: متى حلفتَ ؟ قال : بالأمس، فقال :ارجع إلى امرأتك فالحِين هو نِصف يوم.
ثم قصّ الأعرابي على رسول الله ـصلّى الله عليه وسلّم ـ فسأل كلاًّ من الصحابة الأربعة على مُستندهم في آرائهم ،
فقال أبو بكر : قال الله تعالى في قوم يونس ( فلَوْلا كَانَتْ قَريةٌ آَمَنَتْ فنَفَعَها إيمانُها إلا قَوْمَ يُونُسَ لمَّا آَمَنوا كَشَفْنا عَنْهُم عَذابَ الخِزْيِ في الحياة الدُّنْيا ومَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ ) [ سورة يونس : 98 ]
وقد سَبق أن فسَّر الرسول ـ صلّى الله عليه وسلَّم ـ ذلك بأنّ الله تركَهم بلا عَذاب طول عمرهم. وقال عمر : قال الله تعالى ( هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسانِ حِين مِن الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكورًا )
[ سورة الإنسان : 1 ] وقد سبق أن فسّر الرسول ذلك بأن آدم أتى عليه أربعون سنة مخلوقًا مصورًا لا يدري ما هو وما اسمه وما يراد به .
وقال عثمان . قال الله تعالى في شجرة النخل الطّيبة ( تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حين بإذْنِ رَبِّها ) [ سورة إبراهيم : 25 وثمار النخلة تأتي كل عام.
وقال على : قال تعالى (فسُبْحان الله حِينَ تُمْسونَ وحِينَ تُصبِحون ) [ سورة الروم : 17 ] فالحِين نصف يوم .
وقيل : إنّ هذه القصة هي في قول النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ” أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتُم اهْتديتُم ” وهو أيضا ضعيف وقيل موضوع، رواه الدارمي وغيره ، وأسانيده ضعيفة ، وعلى فرض ورود
هذا الحديث بأيّة درجة فهو ليس مدحًا من النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لأي اختلاف، بل للاختلاف في الرأي الاجتهادي الذي ليس فيه نص قاطع، وكل واحد من هؤلاء استند في رأيه إلى نَص في
القرآن. فهو معذور إن أخطأ، ومن المعلوم أن الاختلاف في الآراء الاجتهاديّة يعطي فرصة للإنسان أن يختار منها ما يتناسب مع ظروفه، ومن هنا جاءت المذاهب الفقهية المعروفة، وتقليد أي منها جائِز لا
حرج فيه .