عنوان الفتوى : الفرق بين النبي والرسول
هل هناك فرق بين النبي والرسول؟ وجزاكم الله خيرا
الحمد لله.
اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من يرى أنه لا فرق بين النبي والرسول، ومنهم من يرى أن هناك فرقا بين النبي والرسول. وهذا هو الصواب، لأن الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد.
قال أبو البقاء الكفوي في "الكليات" (ص1065):" التأسيس أولى من التأكيد، لأن الإفادة خير من الإعادة ". انتهى.
ثم اختلفوا في ضبط هذا الفرق وتحريره. وأشهر ما قيل في ذلك: أن النبي والرسول كلاهما أُوحي إليهما بوحي، إلا أن الرسول أمره الله بتبليغه، أما النبي فلم يؤمر بالتبليغ.
قال الخطابي في "أعلام الحديث" (1/298): "والفرق بين النبي والرسول: أن النبي هو المنبوء المُنبأ المخبر، فعيل بمعنى مفعل، والرسول هو المأمور بتبليغ ما نبئ وأخبر به، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا". انتهى
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (11/112): " قَالَ الْقُرْطُبِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ: هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يُجِزْ نَقْلَ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَإِنَّ لَفْظَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ مُخْتَلِفَانِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ:
فَإِنَّ النُّبُوَّةَ مِنَ النَّبَأِ وَهُوَ الْخَبَرُ، فَالنَّبِيُّ فِي الْعُرْفِ: هُوَ الْمُنَبَّأُ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ بِأَمْرٍ يَقْتَضِي تَكْلِيفًا، وَإِنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَهُوَ رَسُولٌ، وَإِلَّا فَهُوَ نَبِيٌّ غَيْرُ رَسُولٍ؛ وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، بِلَا عَكْسٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ وَالرَّسُولَ اشْتَرَكَا فِي أَمْرٍ عَامٍّ، وَهُوَ النَّبَأُ، وَافْتَرَقَا فِي الرِّسَالَةِ، فَإِذَا قُلْتَ: فُلَانٌ رَسُولٌ، تَضَمَّنَ أَنَّهُ نَبِيٌّ رَسُولٌ. وَإِذَا قُلْتَ: فُلَانٌ نَبِيٌّ لَمْ يَسْتَلْزِمْ أَنَّهُ رَسُولٌ ". انتهى
وقال ابن الملقن في "المعين على تفهم الأربعين" (ص39): "و"الرسل": جمع رسول وهو: المأمور بتبليغ الوحي إلى العباد، وهو أخصُّ من النبي؛ فإنه: الذي أوحيَ إليه العمل والتبليغ، بخلاف النبي، فإنه: أوحي إليه العمل فقط ". انتهى.
ومنهم من يقول: كلاهما أوحي إليه، وكلاهما مأمور بالبلاغ، إلا أن الرسول معه كتاب من عند الله، ومنهم من يقول: الرسول ينزل عليه كتاب، أو يأتيه ملك، والنبي من يُوحى إليه، أو يكون تبعا لرسول آخر.
قال العيني في "البناية شرح الهداية" (1/116): "الفرق بين الرسول والنبي: أن الرسول: من بعث لتبليغ الوحي، ومعه كتاب، والنبي: من بعث لتبليغ الوحي مطلقا، سواء كان بكتاب، أو بلا كتاب. كذا قال الشيخ قوام الدين الأترازي في " شرحه...
ثم قال: والصحيح هنا: أن الرسول من نزل عليه الكتاب، أو أتى إليه ملك، والنبي من يُوْقِفُه الله تعالى على الأحكام، أو تبع رسولا آخر ". انتهى.
ولعل أحسن ما يقال في هذا المقام: أن النبي والرسول يشتركان جميعا في أن كليهما يُوحى إليه؛ ويدل على ذلك قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا النساء/163.
وكذلك يشتركان في أن كليهما مأمور بالبلاغ؛ كما في قوله تعالى:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الحج/52.
قال الشيخ الشنقيطي في "أضواء البيان" (5/290):" وَآيَةُ الْحَجِّ هَذِهِ: تُبَيِّنُ أَنَّ مَا اشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ هُوَ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَحْيٌ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ.. الْآيَةَ، يَدُلُّ عَلَى أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُمَا مَعَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ.
وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ الَّذِي هُوَ رَسُولٌ، أُنْزِلَ إِلَيْهِ كِتَابٌ وَشَرْعٌ مُسْتَقِلٌّ، مَعَ الْمُعْجِزَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِهَا نُبُوَّتُهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ الْمُرْسَلَ، الَّذِي هُوَ غَيْرُ الرَّسُولِ: هُوَ مَنْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ كِتَابٌ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى شَرِيعَةِ رَسُولٍ قَبْلَهُ، كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا يُرْسَلُونَ وَيُؤْمَرُونَ بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ ; كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا الْآيَةَ ". انتهى.
ويفترقان في كون الرسول مأمور بتبليغ رسالة ما إلى أمة من الأمم المكذبين، وأما النبي فهو مأمور بالبلاغ والدعوة، دون أن يكون هناك رسالة مستقلة إلى أمة جديدة من الأمم المكذبة.
قال شيخ الإسلام في "النبوات" (2/714): " فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو يُنبئ بما أنبأ الله به؛ فإن أُرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله، ليبلغه رسالة من الله إليه؛ فهو رسول.
وأما إذا كان، إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يُرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة؛ فهو نبي، وليس برسول؛ قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ في أُمْنِيَّته الحج/52.
وقوله: مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيّ ؛ فذكر إرسالاً يعمّ النوعين، وقد خص أحدهما بأنّه رسول؛ فإنّ هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله؛ كنوح، وقد ثبت في الصحيح أنّه أول رسول بُعث إلى أهل الأرض، وقد كان قبله أنبياء؛ كشيث، وإدريس عليهما السلام، وقبلهما آدم كان نبيّاً مكلّماً. قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.
فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه، ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم؛ لكونهم مؤمنين بهم؛ كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلّغه العلماء عن الرسول.
وكذلك أنبياء بني إسرائيل، يأمرون بشريعة التوراة، وقد يُوحى إلى أحدهم وحي خاص، في قصّة معينة، ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالِم الذي يُفهِّمه الله في قضية، معنى يطابق القرآن، كما فهَّم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود.
فالأنبياء ينبئهم الله؛ فيُخبرهم بأمره، ونهيه، وخبره، وهم يُنبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر، والأمر، والنهي.
فإن أُرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله، وعبادته وحده لا شريك له، ولا بُدّ أن يكذّب الرسلَ قومٌ؛ قال تعالى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون الذاريات/52، وقال: مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ فصلت/43؛ فإنّ الرسل تُرسَل إلى مخالفين؛ فيكذّبهم بعضهم، وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ يوسف/109- 110، وقال: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ غافر/51.
فقوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ: دليلٌ على أن النبيّ مرسل، ولا يسمى رسولاً عند الإطلاق؛ لأنّه لم يرسل إلى قوم بما لا يعرفونه، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنّه حقّ؛ كالعالِم.
ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء، وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة؛ فإنّ يوسف كان على ملة إبراهيم، وداود وسليمان كانا رسولين، وكانا على شريعة التوراة، قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ في شَكّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً غافر/34 ". انتهى.
ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 307905، 337476، 217450، 330883، 253737، 95747.
والله أعلم.