عنوان الفتوى : تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء
النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق والأنبياء ، ولكن هل كان أفضل منهم على الإطلاق ، أم في بعض الجوانب ؟ حيث قرأت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صبر وجمال يوسف عليه السلام وصلاة وصيام النبي داود عليه السلام ؟
الحمد لله
نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء ، بل أفضل الأولين والآخرين ، وسيد ولد آدم
أجمعين . روى مسلم (2278) عن أبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،
وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ(.
وروى الترمذي (3615) وحسنه ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ،
وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْر َ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ
فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ
الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ ) وصححه الألباني في" صحيح الترمذي" .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : ( فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ : أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ
، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَجُعِلَتْ لِيَ
الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً ، وَخُتِمَ
بِيَ النَّبِيُّونَ ) رواه مسلم ( 523 ) .
وقد ثبتت له صلى الله عليه
وسلم فضائل فوق هذه الست : كالشفاعة العظمى ، وكونه أول من يفتح له باب الجنة ،
وكونه أكثر الأنبياء تابعا، وأن أمته ثلثا أهل الجنة ، وأنه صاحب لواء الحمد يوم
القيامة ، وصاحب الحوض ، وصاحب الوسيلة وهي درجة في الجنة لا تكون إلا له صلى الله
عليه وسلم ، وهو إمام النبيين وخطيبهم يوم القيامة ، إلى غير ذلك.
قال الملا علي القاري : " فبعض الأحاديث ، وإن دل بمنطوقه على أنه - صلى الله عليه
وسلم - مخصوص من عند الله ، تعالى بفضائل معدودة، لكن لا يدل مفهومه على حصر فضائله
فيها ، فإن فضائله غير منحصرة " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (9/3676).
وقال السيوطي رحمه الله: "
قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر : وَمَفْهُومه أَنَّهُ لَمْ يُخَصّ بِغَيْرِ الْخَمْس
.
لَكِنْ وَرَدَ فِي حَدِيث آخَر : فُضِّلَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاء بِسِتٍّ ،
وَوَرَدَتْ أَحَادِيث أُخَر بِخَصَائِص أُخْرَى ، وَطَرِيق الْجَمْع أَنْ يُقَال :
لَعَلَّهُ اِطَّلَعَ أَوَّلًا عَلَى بَعْض مَا اِخْتُصَّ بِهِ ، ثُمَّ اِطَّلَعَ
عَلَى الْبَاقِي .
وَمَنْ لَا يَرَى مَفْهُوم الْعَدَد حُجَّة ، يَدْفَع هَذَا الْإِشْكَال مِنْ
أَصْله .
ثُمَّ تَتَبَّعَ الْحَافِظ مِنْ الْأَحَادِيث خِصَالًا ، فَبَلَغَتْ اِثْنَتَيْ
عَشْرَة خَصْلَة ، ثُمَّ قَالَ : وَيُمْكِن أَنْ يُوجَد أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ
أَمْعَنَ التَّتَبُّع .
وَنُقِلَ عَنْ أَبِي سَعِيد النَّيْسَابُورِيّ أَنَّهُ قَالَ ، فِي كِتَاب شَرَف
الْمُصْطَفَى : إِنَّ الْخَصَائِص الَّتِي فُضِّلَ بِهَا النَّبِيّ عَلَى
الْأَنْبِيَاء سِتُّونَ خَصْلَة .
قُلْت : وَقَدْ دَعَانِي ذَلِكَ لَمَّا أَلَّفْت التَّعْلِيق الَّذِي عَلَى
الْبُخَارِيّ فِي سَنَة بِضْع وَسَبْعِينَ وَثَمَانمِائَةِ ، إِلَى تَتَبُّعهَا ،
فَوَجَدْت فِي ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا فِي الْأَحَادِيث وَالْآثَار وَكُتُب
التَّفْسِير وَشُرُوح الْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَالتَّصَوُّف ،
فَأَفْرَدْتهَا فِي مُؤَلَّف سَمَّيْته أُنْمُوذَج اللَّبِيب فِي خَصَائِص
الْحَبِيب وَقَسَّمْتهَا قِسْمَيْنِ مَا خُصَّ بِهِ عَنْ الْأَنْبِيَاء وَمَا خُصَّ
بِهِ عَنْ الْأُمَّة وَزَادَتْ عِدَّة الْقِسْمَيْنِ عَلَى أَلْف خِصِّيصَة" انتهى
من "حاشية السيوطي على النسائي "(1/210).
ولا خلاف في أنه صلى الله
عليه وسلم أفضل البشر.
قال القاضي عياض - رحمه الله -: " لا خلاف أنه أكرم البشر، وسيد ولد آدم ، وأفضل
الناس منزلة عند الله ، وأعلاهم درجة ، وأقربهم زلفى ، واعلم أن الأحاديث الواردة
في ذلك كثيرة جداً" انتهى من "الشفا" (1/165).
وهذا لا ينفي ثبوت الفضائل
لغيره من الأنبياء ، ككون آدم عليه السلام خلقه الله بيده ، وأسجد له ملائكته ،
ونفخ فيه من رحه ، وإبراهيم خليل الله ، وموسى كليم الله ، وعيسى روح الله وكلمته
ألقاها إلى مريم ، ويوسف أُعطي شطر الحسن ، وداود أعطي الزبور، وألين له الحديد،
وصيامه أفضل الصيام.
لكن لم يثبت لواحد منهم أنه سيد ولد آدم ، كما ثبت لنبينا صلى الله عليه وسلم،
ولذلك هو أفضلهم وإمامهم يوم القيامة، وقد شارك بعضهم في فضائله كمشاركة إبراهيم في
الخُلة وموسى في التكليم.
والحاصل :
أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، وأن من الأنبياء من فضل بأشياء خاصة لم
تكن لنبينا صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا ينفي أن يكون أفضلهم ، فالتفضيل اصطفاء
واختيار من الله تعالى أولا، ثم إنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي من الفضائل الخاصة
ما لم يؤتَه أحد غيره ، كما تقدم.
وننبه إلى أننا نهينا عن
التخيير والتفضيل بين الأنبياء، إذا كان التفضيل يوهم نقص المفضول، أو كان التفضيل
يفضي إلى خصومة ونزاع.
وقد سبق بيان ذلك مفصلا، فانظري: الأسئلة: : (83417)
، (126168)
، (217450)
، (228450)
.
والله أعلم.