عنوان الفتوى : هل صح في عدد الأنبياء والرسل شيء ؟
هل يوجد حديث صحيح يوضح عدد الأنبياء والرسل ؟
الحمد لله
أولاً :
أرسل الله تعالى رسلاً إلى كل أمةٍ من الأمم ، وقد ذكر الله تعالى أنهم متتابعون ،
الرسول يتبعه الرسول ، قال عز وجل : ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ
مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً
وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ )
المؤمنون/44 ، وقال تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ
بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ )
فاطر/24 .
وقد سمَّى الله تعالى مِن أولئك الرسل مَن سمَّى ، وأخبر بقصص بعضهم ، دون الكثير
منهم ، قال تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ
وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ
وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا . وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ
عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ
مُوسَى تَكْلِيمًا ) النساء/163-164 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وهذه تسمية الأنبياء الذين نُصَّ على أسمائهم في القرآن ، وهم : آدم ، وإدريس ،
ونوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف ،
وأيوب ، وشعيب ، وموسى ، وهارون ، ويونس ، وداود ، وسليمان ، وإلياس ، والْيَسَع ،
وزكريا ، ويحيى ، وعيسى عليهم الصلاة والسلام ، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين
، وسيدهم محمد صلى الله وعليه وسلم .
وقوله : ( وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ) أي : خلقاً آخرين لم يذكروا في
القرآن .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 469 ) .
ثانياً :
قد اختلف أهل العلم في عدد الأنبياء والمرسلين ، وذلك بحسب ما ثبت عندهم من
الأحاديث الوارد فيها ذِكر عددهم ، فمن حسَّنها أو صححها فقد قال بمقتضاها ، ومن
ضعَّفها فقد قال بأن العدد لا يُعرف إلا بالوحي فيُتوقف في إثبات العدد .
الأحاديث الواردة في ذِكر العدد :
1. عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟ قال : ( مائة ألف وأربعة
وعشرون ألفًاً ) ، قلت : يا رسول الله ، كم الرسل منهم ؟ قال : ( ثلاثمائة وثلاثة
عشر جَمّ غَفِير) ، قلت : يا رسول الله ، من كان أولهم ؟ قال : ( آدم ) ... .
رواه ابن حبان ( 361 ) .
والحديث ضعيف جدّاً ، فيه إبراهيم بن هشام الغسَّاني ، قال الذهبي عنه : متروك ، بل
قال أبو حاتم : كذّاب ، ومن هنا فقد حكم ابن الجوزي على الحديث بأنه موضوع مكذوب.
قال ابن كثير – رحمه الله - :
قد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي في كتابه : " الأنواع
والتقاسيم " ، وقد وَسَمَه بالصحة ، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي ، فذكر هذا الحديث
في كتابه " الموضوعات " ، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا ، ولا شك أنه قد تكلم فيه
غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 470 ) .
وقال شعيب الأرناؤط : إسناده ضعيف جدّاً – وذكر كلام العلماء في إبراهيم بن هشام -
.
" تحقيق صحيح ابن حبان " ( 2 / 79 ) .
2. وروي الحديث بذلك العدد – مائة وأربعة وعشرون ألفاً – من وجه آخر :
عن أبي أُمَامة قال : قلت : يا نبي الله ، كم الأنبياء ؟ قال : ( مائة ألف وأربعة
وعشرون ألفاً ، من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّاً غَفِيراً ) .
رواه ابن حاتم في " تفسيره " ( 963 ) .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
مُعَان بن رفاعة السَّلامي : ضعيف ، وعلي بن يزيد : ضعيف ، والقاسم أبو عبد الرحمن
: ضعيفٌ أيضاً .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 470 ) .
3. وروي حديث أبي ذر رضي الله عنه من وجه آخر ، وليس فيه ذكر عدد الأنبياء ، وإنما
ذُكر عدد المرسلين :
قال : قلت : يا رسول الله كم المرسلون ؟ قال : ( ثلاث مئة وبضعة عشر جمّاً غفيراً )
.
رواه أحمد ( 35 / 431 ) .
وفي رواية أخرى ( 35 / 438 ) : ( ثلاثمئة وخمسة عشر جمّاً غفيراً ) .
قال شعيب الأرناؤط :
إسناده ضعيف جدّاً ؛ لجهالة عبيد بن الخشخاش ؛ ولضعف أبي عمر الدمشقي ، وقال
الدارقطني : المسعودي عن أبي عمر الدمشقي : متروك .
المسعودي : هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة .
" تحقيق مسند أحمد " ( 35 / 432 ) .
4. عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بعث الله ثمانية آلاف نبي ،
أربعة آلاف إلى بني إسرائيل ، وأربعة آلاف إلى سائر الناس ) .
رواه أبو يعلى في " مسنده " ( 7 / 160 ) .
والحديث : ضعيف جدّاً .
قال الهيثمي – رحمه الله - :
رواه أبو يعلي وفيه : موسى بن عبيدة الربذي ، وهو ضعيف جدّاً .
" مجمع الزوائد " ( 8 / 210 ) .
وقال ابن كثير – رحمه الله - :
وهذا أيضاً إسناد ضعيف ؛ فيه الربذي : ضعيف ، وشيخه الرَّقَاشي : أضعف منه أيضاً .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 470 ) .
5. عَنْ أَبِى الْوَدَّاكِ ، قَالَ : قَالَ لِى أَبُو سَعِيدٍ : هَلْ يُقِرُّ
الْخَوَارِجُ بِالدَّجَّالِ ؟ فَقُلْتُ : لاَ. فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم: ( إِنِّى خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍ ، أَوْ أَكْثَرُ ، مَا بُعِثَ
نَبِىٌّ يُتَّبَعُ ، إِلاَّ قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ ... ) .
رواه أحمد ( 18 / 275 ) .
والحديث ضعيف ؛ لضعف مجالد بن سعيد .
قال الهيثمي – رحمه الله - :
رواه أحمد ، وفيه مجالد بن سعيد ، وثقه النسائي في رواية ، وقال في أخرى : ليس
بالقوى ، وضعفه جماعة .
" مجمع الزوائد " ( 7 / 346 ) .
وضعَّفه الأرناؤط في " تحقيق المسند " ( 18 / 276 ) .
6. وروي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه :
رواه البزار في " مسنده " ( 3380 ) " كشف الأستار " .
وفيه مجالد بن سعيد ، وسبق أنه ضعيف .
قال الهيثمي – رحمه الله - :
رواه البزار ، وفيه مجالد بن سعيد ، وقد ضعفه الجمهور ، فيه ثوثيق .
" مجمع الزوائد " ( 7 / 347 ) .
وبما سبق من الأحاديث – ويوجد غيرها تركناها خشية التطويل وكلها ضعيفة – يتبين أنه
قد اختلفت الروايات بذكر عدد الأنبياء والمرسلين ، فقال كل قوم بمقتضى ما صحَّ
عنده، والأشهر فيما سبق هو حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وأن عدد الأنبياء مائة ألف
وأربعة وعشرون ألفاً ، والرسل منهم : ثلاثمائة وخمسة عشر ، حتى قال بعض العلماء :
إن عدد الأنبياء كعدد أصحاب النبي صلى اللهُ عليْه وسلَّم ، وعدد الرسل كعدد أصحاب
بدر .
لكن بالنظر في أسانيد تلك الروايات : لا يتبين لنا صحة تلك الأحاديث لا بمفردها ،
ولا بمجموع طرقها .
ثالثاً :
وهذه أقوال بعض الأئمة الذين يقولون بعدم صحة تلك الأحاديث وما تحويها من عدد :
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وهذا الذي ذكره أحمد ، وذكره محمد بن نصر ، وغيرهما ، يبين أنهم لم يعلموا عدد
الكتب والرسل ، وأن حديث أبي ذر في ذلك لم يثبت عندهم .
" مجموع الفتاوى " ( 7 / 409 ) .
ففي هذا النقل عن الإمامين أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نصر المروزي : بيان تضعيف
الأحاديث الواردة في ذكر العدد ، والظاهر أن شيخ الإسلام رحمه الله يؤيدهم في ذلك ،
وقد أشار إلى حديث أبي ذر بصيغة التضعيف فقال : " وقد روي في حديث أبي ذر أن عددهم
ثلاثمائة وثلاثة عشر " ، ولم يستدل به ، بل استدل بالآيات الدالة على كثرتهم .
2. وقال ابن عطية – رحمه الله – في تفسير آية النساء - :
وقوله تعالى : ( ورسلاً لم نقصصهم عليك ) النساء/164 : يقتضي
كثرة الأنبياء ، دون تحديد بعدد ، وقد قال تعالى ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )
فاطر/24 ، وقال تعالى : ( وقروناً بين ذلك كثيراً )
الفرقان/38 ، وما يُذكر من عدد الأنبياء فغير صحيح ، الله أعلم
بعدتهم ، صلى الله عليهم . انتهى
3. وسئل علماء اللجنة الدائمة :
كم عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ؟ .
فأجابوا :
لا يعلم عددهم إلا الله ؛ لقوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ
) غافر/78 ، والمعروف منهم من ذكروا في القرآن أو صحت بخبره
السنَّة .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 3 / 256 ) .
4. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
وجاء في حديث أبي ذر عند أبي حاتم بن حبان وغيره أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم
عن الرسل وعن الأنبياء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الأنبياء مائة وأربعة
وعشرون ألفا والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وفي رواية أبي أمامة : ثلاثمائة وخمسة
عشر ، ولكنهما حديثان ضعيفان عند أهل العلم ، ولهما شواهد ولكنها ضعيفة أيضا ، كما
ذكرنا آنفا ، وفي بعضها أنه قال عليه الصلاة والسلام ألف نبي فأكثر ، وفي بعضها أن
الأنبياء ثلاثة آلاف وجميع الأحاديث في هذا الباب ضعيفة ، بل عد ابن الجوزي حديث
أبي ذر من الموضوعات. والمقصود أنه ليس في عدد الأنبياء والرسل خبر يعتمد عليه ،
فلا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى ، لكنهم جم غفير ، قص الله علينا أخبار
بعضهم ولم يقص علينا أخبار البعض الآخر ، لحكمته البالغة جل وعلا .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 2 / 66 ، 67 ) .
5.وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله - :
كم عدد الأنبياء والمرسلين ؟ وهل عدم الإيمان ببعضهم ( لجهلنا بهم ) يعتبر كفراً ؟
وكم عدد الكتب السماوية المنزلة ؟ وهل هناك تفاوت في عدد الكتب بين نبي وآخر ؟
ولماذ ؟.
فأجاب :
ورد في عدة أحاديث أن عدد الأنبياء : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، وأن عدد الرسل
منهم : ثلاثمائة وثلاثة عشر ، كما ورد أيضاً أن عددهم ثمانية آلاف نبي ، والأحاديث
في ذلك مذكورة في كتاب ابن كثير " تفسير القرآن العظيم " ، في آخر سورة النساء على
قوله تعالى : ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ ) ، ولكن الأحاديث في الباب
لا تخلو من ضعف على كثرتها والأوْلى في ذلك التوقف ، والواجب على المسلم الإيمان
بمن سمَّى الله ورسوله منهم بالتفصيل ، والإيمان بالبقية إجمالاً ؛ فقد ذم الله
اليهود على التفريق بينهم بقوله تعالى : ( وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ
وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ) فنحن نؤمن بكل نبي وكل رسول أرسله الله في زمن من الأزمان ،
ولكن شريعته لأهل زمانه وكتابه لأمته وقومه .
فأما عدد الكتب : فورد في الحديث الطويل عن أبي ذر أن عدد الكتب مائة كتاب وأربعة
كتب ، كما ذكره ابن كثير في التفسير عند الآية المذكورة ، ولكن الله أعلم بصحة ذلك
، وقد ذكر الله التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى ، فنؤمن بذلك ونؤمن
بأن لله كتباً كثيرة لا نحيط بها علماً ، ويكفي أن نصدق بها إجمالاً .
" فتاوى إسلامية " ( 1 / 41 ) .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |