عنوان الفتوى : حكم صبغ الشعر بالحناء السوداء
أنا عمري 23 سنة، وعندي مرض البهاق، وهو يتسبب في بياض شعر الوجه، فهل يجوز لي استخدام الحناء السوداء بشكل عام؟ وهل يجوز لي استخدامها إذا كنت أريد أن أخطب أما..... وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن السؤال لم يكتمل، وعلى أية حال؛ فلا حرج في استخدام الحناء لعلاج البهاق أو الشيب، بل إن الصبغ للشيب سنة، كما قال السيوطي في الحاوي للفتاوي (1/ 85): خضاب الشعر من الرأس واللحية بالحناء جائز للرجل، بل سنة صرح به النووي في شرح المهذب نقلا عن اتفاق أصحابنا لما ورد فيه من الأحاديث الصحيحة، منها حديث الصحيحين عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم» ) وروى مسلم عن جابر قال: «أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق - يوم فتح مكة - ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (غيروا هذا واجتنبوا السواد) اهـ.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (5/ 185):
تغيير الشيب بصبغ شعر الرأس واللحية بالحناء، والكتم، ونحوهما: جائز، بل مستحب، وتغييره بالصبغ الأسود: لا يجوز، وقد ورد بهذا الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكأن رأسه ثغامة, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اذهبوا به إلى بعض نسائه فليغيرنه بشيء، وجنبوه السواد » رواه أحمد، ومسلم. اهـ.
هذا؛ وننبه إلى أن الحناء السوداء قد قدمنا ببعض الفتاوى السابقة أنها إذا كانت عولجت حتي تكون سوداء، فإنه لا يجوز استخدامها؛ لأنه في معنى استخدام الصبغ بالأسود، وقد سبق بيان الحكم عليه في الفتويين: 2301، 13834.
أما إذا كان هذا النوع من الحناء على خلقته الطبيعية دون معالجة، فإنه لا مانع من استخدامه؛ لأن النهي ورد في الصبغ بالسواد الخالص، وراجع الفتوى رقم: 9477.
ولا حرج في ستر البهق عند الخِطبة؛ لأن البهق ليس من العيوب المعتبرة في النكاح، كما قال الماوردي في الحاوي الكبير: فأما البهق: فتغير لون الجلد، ولا يذهب بدمه ويزول، ولا تنفر منه النفوس، فلا خيار فيه. انتهى.
ولا يجب على الخاطب -عند الجمهور- ذكر ما فيه من مساوئ أو إظهارها، إلا إذا كانت من العيوب التي يتعذّر معها الوطء، أو الأمراض المنفّرة، أو المعدية، كالبرص، والجذام، ونحو ذلك، أو اشترط الخاطب السلامة منها.
ويستحب ذكر العيوب فيما سوى ذلك، فقد جاء في حاشية الجمل على المنهج: قال البارزي: ولو استشير في أمر نفسه في النكاح؛ فإن كان فيه ما يثبت الخيار فيه وجب ذكره للزوجة، وإن كان فيه ما يقلل الرغبة فيه ولا يثبت الخيار ـ كسوء الخلق والشح ـ استحب، وإن كان فيه شيء من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه.
ومحل هذا: إن لم يشترط الزوج السلامة من تلك العيوب، جاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير: وَلِلْوَلِيِّ كَتْمُ الْعَمَى وَنَحْوَهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا خِيَارَ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الزَّوْجُ السَّلَامَةَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَلِذَا وَجَبَ فِيهِ بَيَانُ مَا يَكْرَهُ الْمُشْتَرِي. اهـ.
وقال المواق المالكي في التاج والإكليل: وللولي كتم العمى ونحوه، وعليه كتم الخنا. قال مالك: ليس على الولي أن يخبر بعيب وليته ولا بفاحشتها إلا العيوب الأربعة، أو أنها لا تحل له بنسب أو رضاع أو عدة. قال مالك: ولا ينبغي لمن علم لوليته فاحشة أن يخبر بها إذا خطبت. اهـ.
و قال ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد في هدي خير العباد: وأما إذا اشترط السلامةَ، أو شرطَ الجمَال، فبانت شوهاء، أو شرطَها شابةً حديثةَ السن، فبانت عجوزًا شمطاء، أو شرطها بيضاءَ فبانت سوداء، أو بِكرًا فبانت ثيبًا، فله الفسخُ في ذلك كُلِّه. اهـ.
وذهب بعض العلماء إلى أن كل عيب يحصل به نفور الطرف الآخر فهو موجب للفسخ.
قال ابن القيم: والقياس: أن كُلَّ عيب ينفِرُ الزوجُ الآخر منه، ولا يحصُل به مقصودُ النكاح مِن الرحمة والمودَّة يُوجبُ الخيارَ. اهـ. من زاد المعاد في هدي خير العباد.
وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 53843.
والله أعلم.