عنوان الفتوى : لا يجوز طاعة الأب في ترك الحجاب ولا عصيان الزوج في أمره بترك المحرمات
أريد أن أسالكم فيما يخصني: لي أخت في الله تعرفت عليها قبل توبة تابتها لله -أحسبها عند الله كذلك- وعاهدت الله إن أنجاها مما هي فيه من همّ ستتوب إلى الله توبة نصوحا، وتلتزم بالنقاب، والجلباب الشرعي، وبعد التوبة والفرج الذي أتاها من الله والنجاة قالت لي: إن والدي لا يريدني أن ألبسه. قلت لها: وأين عهد الله الذي عاهدتي الله به؟ قالت: لا أعصي والدي. وإني حزينة على عدم التزامها به، ولبسها لباسا يصف جسدها, فما نصيحتك لي في التعامل معها؟ وأصبحت تخبرني الأخوات بالنميمة؟ وهي حديثة التوبة فلا أريد زجرها، فبما تنصحونني؟ ولي أخت في الله أخرى توفي زوجها قبل الدخول بها، وبعد أن أنعم الله عليها بزوج أحسبه عند الله دينا وخلوقا، أمرها زوجها بلبس الجلباب قطعة واحدة يباع في الأسواق، وأمرها بالنقاب، وأمرها أن تترك عملها في مدرسة مختلطة، وأمرها أن لا تجالس وتتكلم مع أزواج أخواتها، وأن لا تحضر زفافا فيه غناء محرم، فعصته، ولم تلتزم بما أمر زوجها، فما نصيحتكم لها؟ وأصبحت تتكلم عليه في المجالس في المسجد حتى تجد من يساعدها، وزوجها الآن لا يجلس في البيت كثيرا، فهل عصيانها هو سبب ذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما بالنسبة للأخت الأولى: فإن التوبة واجبة عليها على كل حال، وكذلك الحال بالنسبة للحجاب والنقاب، فإن تغطية الوجه واجبة على الراجح من أقوال الفقهاء، ويتأكد الوجوب في هذه الأمور بما كان منها من عهد مع الله -عز وجل- بالالتزام بها. وقد سبق أن ذكرنا الحكم فيمن قال: أعاهد الله تعالى على أمر ما، وماذا يلزمه؟ في الفتوى رقم: 29746، والفتوى رقم: 15049.
ولا يجوز لها طاعة أبيها فيما يسخط الله تعالى، فذكريها بأسلوب طيب، ولا سيما بحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس". رواه الترمذي, وصححه الألباني. ومن المنكر أيضا مشيها بالنميمة، فيجب عليك أن تنكري عليها ذلك، ولا تصغي إليها فيها, وإن انتفعت بالنصح فذاك، وإلا فيمكنك هجرها إن رجوت أن ينفعها الهجر، فالهجر يرجع فيه إلى المصلحة، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 29790.
وبخصوص الأخت الثانية: فنعم الزوج زوجها إن كان يأمرها بالخير، ويحثها على الاستقامة على طاعة الله، ولا سيما فعل بعض الأمور الواجبة عليها أصلا، أو ترك الأمور المحرمة، فهي بالإضافة إلى معصيتها لله بالتفريط فيها، فإنها تكفر نعمة هذا الزوج التي أنعم الله به عليها ، وكفران النعم من أسباب زوالها.
وإن كان المقصود أنها تتكلم عنه في المجالس بسوء، ففي هذا مقابلة الإحسان بالإساءة، وهذا من شأن اللئام، لا من شأن الكرام، قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {الرحمن:60}. فالواجب أن تنصح، ويقال لها في نفسها قولًا بليغًا، فإن انتهت فبها ونعمت، وإلا فلزوجها الحق في تأديبها لنشوزها، وكيفية علاج النشوز مبينة في الفتوى رقم: 1103. ولا يبعد أن تكون تصرفاتها هي الدافع لزوجها في عدم البقاء في البيت، وإن لم ترتدع هذه المرأة فالأولى طلاقها، وتراجع الفتوى رقم: 127588. وأما تعاملك معها فينبغي أن تستمري في مناصحتها بأسلوب طيب، فإن تابت إلى الله وأنابت فذاك، وإلا فاهجريها إن رجوت أن ينفعها الهجر، فالهجر يكون حسب المصلحة كما أسلفنا.
وننبه إلى أن من يُخشى منه مضرة فلا خير في صحبته، فإن الصاحب ساحب، فيؤثر على صاحبه سلبًا أو إيجابًا، ولذا ينبغي أن تحرص المسلمة على الصحبة الصالحة التي تعينها على الخير، وتذكرها به، وانظري الفتوى رقم: 42007.
والله أعلم.