عنوان الفتوى : الجواب عن شبهة: وجود قبائل بدائية لا تؤمن بالله يقدح في فطرية الإيمان بوجود الله
إذا كان الإيمان بالله أمرٌ فطري، إذًا فلماذا ليس لدى قبيلة الأمازون (التي تدعى بيراها) المعتقدات الأساسية بالخالق؟ فبعض الملحدين يستخدمون هذا الأمر كدليل على أن المعتقدات الدينية ليست فطرية في البشر.
الحمد لله
أولا:
الإنسان مفطور على معرفة أن له خالقا وربا، وهذا من أظهر الأدلة على وجود الله تعالى.
قال الشيخ ابن عثيمين :
دلالة الفطرة على وجود الله أقوى من كل دليل لمن لم تجتله الشياطين ، ولهذا قال الله تعالى : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا الروم/30 ، بعد قوله : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فالفطرة السليمة تشهد بوجود الله ولا يمكن أن يعدل عن هذه الفطرة إلا من اجتالته الشياطين ، ومن اجتالته الشياطين فقد وُجد في حقه مانع قوي يمنع هذا الدليل . انتهى من شرح السفارينية، ص31
وانظر الأدلة على وجود الله تعالى في جواب السؤال رقم (26745).
ووجود أقوام ينكرون الله تعالى، أو يشركون معه غيره، لا يعني أنهم لم يفطروا على معرفة الله، بل يعني أنهم انحرفوا عن هذه الفطرة بفعل شياطين الإنسن والجن، كما في الحديث القدسي: وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا رواه مسلم (2865).
ولهذا فإن عدد هؤلاء الجاحدين قليل جدا بالنسبة لمجموع العالم الذي يسكن الأرض، وهو مفطور على أن له ربا، حتى لو وجد فيهم من يشرك به غيره، أو يعبد ربا ليس هو الله.
وهذه الفطرة وإن غطيت بتأثير الآباء والأجداد والعادة والبيئة إلا أنها تظهر غالبا في الشدائد، فيفزع الإنسان إلى ربه ولو كان يجادل في وجوده!
ومن الأمثال الغربية اللطيفة: لا يوجد ملاحدة في الخنادق!
وكثير من الملاحدة يقرون بهذا الأمر الفطري وأنه مركوز في النفس وإن لم يلتزموا بتسمية هذا المعنى بالفطرة.
وينظر في ذلك: كتاب: شموع النهار، للأستاذ عبد الله العجيري، ص31 وما بعدها.
ويقول الدكتور البشير عصام: " من أشهر ما يعترض به على دليل الفطرة قول بعضهم:
إذا كان وجود الله مستقرا في الفطر، فلِمَ يؤثر عن بعض الناس إنكارهم لوجوده؟
والجواب: أن الإقرار بوجود الله إنما هو في حق من سلمت فطرته من الانحراف، أما من تعرض لأعاصير الشبهات حتى اقتلعت الفطرة السليمة من قلبه، فإنه يحتاج إلى نصب الأدلة العقلية، وجمع البراهين العلمية.
وفساد الفطرة وتغيرها ليس أمرا محالا ولا بعيدا، فإن الإنسان قد يكون في بيئة ضالة منحرفة، فتتسرب إلى قلبه مؤثرات كثيرة، تبعده عن سواء السبيل.
قال ابن تيمية: ''إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة''.
وهنالك وجه آخر في الجواب، وهو: أن المخالفين للفطرة، القائلين بإنكار الخالق، قلة قليلة في عموم البشر عبر التاريخ، كما سبق بيانه.
ثم إن كثيرا منهم ينكر وجود الله في الظاهر، مع إقراره بوجوده في الباطن؛ كما ذكر الله تعالى عن فرعون وقومه في تعاملهم مع آيات الله سبحانه: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا (النمل:14)" انتهى
وجاء في مقاله: " ومن الطريف أن القول بفطرية الاعتقاد بوجود الله ليست خاصة بالمتشرعة من علماء الإسلام، بل هو أمر يقرّ به جماعة من الفلاسفة المعاصرين.
منهم على سبيل المثال الفيلسوف الأمريكي ألفين بلانتنجا '' Alvin Plantinga ''، الذي يصرّ على أن ''الإيمان شعور فطري''، وأن الاعتقاد في وجود الإله مثل الاعتقاد في مفاهيم أساسية أخرى، كالاعتقاد بأن للآخرين عقولا كعقولنا، والاعتقاد في صحة حواسنا، والقول بأن الكل أكبر من الجزء" انتهى.
وينظر تتمة مقاله ففيه عدة براهين على صحة دليل الفطرة.
ونقول أخيرا: إن الذي قرأناه عن القبيلة المذكورة أنها قليلة العدد جدا، وأنها تعيش حياة بدائية، ولم نقف على كونهم ينكرون الخالق، وفرق بين كون الإنسان لا يعرف دينا معينا، ولا يتعبد لله بشيء من الشعائر، بل ولا يعرف الله بأسمائه وصفاته، وبين أنه ينكر وجود خالق خلقه.
ثانيا:
النصيحة لك أن تطلب العلم، وأن تنأى بنفسك عن النظر في الشبهات، فإنها قد تفسد القلب وتورث الشك، ما لم يكن الإنسان راسخا في العلم، فيطلع على الشبهة لردها ودحضها.
والله أعلم.