عنوان الفتوى : سبيل وشروط تحول الأعمال العادية إلى عبادات
لو سمحتم: احتساب النيات، وتعددها في العادات أمر شاق، فمثلا: قد يحتسب المرء في تناول الطعام أكثر من خمس نوايا، أو أكثر. واحتساب هذه النوايا عند كل طعام أمر يشق على الذهن تذكره، وهكذا في باقي العادات، وتحويلها إلى عبادات. فما الحل: هل يتعين علي الاحتساب عند كل مرة، أم يكفيني الاحتساب مرة واحدة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأمر النية أمر عظيم، وكون النية تحول العادات إلى عبادات، هو من فضل الله تعالى على عباده، وتوسعته عليهم حتى يدركوا من الأجور شيئا كثيرا بلا مشقة ولا تعب.
يقول الدكتور عمر الأشقر رحمه الله: كثيرا ما راود بعض الناس في الماضي حلم لذيذ، وهو إيجاد محول يستطيع أن يحول المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة، وقد شغلت هذه الفكرة الناس في بعض العصور، وأخذت قسطا وافرا من تفكيرهم وجهدهم. ولم يفطن كثير من الناس إلى أنَّ النيّة هي المحول العجيب، إلاّ أنَّها لا تحول الجماد إلى نوع آخر من الجماد، ولكنَّها تحول الأعمال العادية التي تضمحل وتزول بمجرد الانتهاء منها إلى أعمال باقية خالدة، فالطعام، والشراب، والنكاح .. كل ذلك زائل، ذاهب فإذا قصد العبد به نيّة صالحة، كأن ينوي التقوي بالطعام والشراب على طاعة الله، وكأن يعفَّ نفسه عن الزنى بالنكاح، ويطلب الولد الصالح الذي يعبد الله، ويجاهد في سبيله؛ فإنَّ هذه الأعمال تتحول إلى أعمال باقية صالحة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها، فهو له صدقة. فالإنفاق بنيّة الاحتساب، يتحول إلى صدقة يدّخر لصاحبها أجرها وثوابها. انتهى.
فإذا علمت هذا، فتحصيل هذا الثواب يحتاج إلى حضور قلب، وما هو بالأمر العسير على من يسره الله عليه، فمع الاستعانة بالله تعالى، يسهل على العبد فعل المباحات بنيات صالحة، ليحصل له بذلك الأجر، وشرط ذلك أن ينوي عند الفعل تلك النية الصالحة، ولا يكفي نية ذلك مرة واحدة، بل عليه كلما أكل أن ينوي تلك النية الصالحة، لينال ذلك الأجر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. فإذا أكل لمجرد قضاء وطره من الطعام، ولم يحتسب نية صالحة، لم يكن له بذلك أجر، فلينتبه العاقل، وليحرص على حضور قلبه، وألا تفوته تلك الفرص، والأمر وإن شق أولا، لكنه بالمجاهدة يصير سهلا ميسورا، قال الله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}.
والله أعلم.