عنوان الفتوى : مصير من قال بلسانه: لا إله إلا الله وكذب الرسول، وأبو لهب كافر، وسبب خلود إبليس في النار
عندي ثلاثة أسئلة: الأول: سمعت من أحد الناس وهو يشرح حديثا معناه أنه يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان، وأن من شهد أنه لإ إله إلا الله يخرجه الله من النار، فكان شرحه حسب ما فهمته منه أنه حتى الذي لم يشهد بأن محمدا رسول الله داخل في الحديث، فهل يكفي توحيد الله لكي لا يخلد في النار رغم تركه للصلاة جحودا بها أو عدم اتباع ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم تكبرا وإعراضا ويتبعه في لا إله إلا الله بمعنى أنه كفر لكنه لم يشرك؟ وهل يكفي الإيمان بالقلب دون الجوراح؟ وهل إذا قلت إن اليزيديين خالدون في النار إذا ماتوا على ما هم عليه من كفر أمر جائز؟. الثاني: هل يمكن لأبي لهب أن يكون مسلما، لأنني لم أفهم من الآيات ما يوجب خلوده في النار؟ وما هو تفسير الآيات التي فيها قصة الشيطان الذي يدعو إلى الكفر ثم يقول إني أخاف الله رب العالمين؟ وهل خلود إبليس في النار لكفره فقط ولدعوة الناس للشرك بالله ولأن له عبدة؟. الثالث: هل مثل هذه الأسئلة ينصح بالبحث عنها؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن لم يشهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة أو كذبه أو لم يتبع ما جاء به تكبرا وعنادا وإعراضا، أو جحد الصلاة أو غيرها مما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو مشرك كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة، ولا تنفعه لا إله إلا الله بمجرد قولها، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ كما في مجموع الفتاوى ـ عمن يقول: لَوْ فَعَلْتُ كُلَّ مَا لَا يَلِيقُ وَقُلْتُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ وَلَمْ أَدْخُلْ النَّارَ، فأجاب رحمه الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَلَفُّظِ الْإِنْسَانِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ بِحَالٍ: فَهُوَ ضَالٌّ، مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ قَدْ تَلَفَّظَ بِهَا الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ، وَهُمْ كَثِيرُونَ، بَلْ الْمُنَافِقُونَ قَدْ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَلَكِنْ لَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا {النساء: 142}. انتهى.
وقال ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: فمن قال بلسانه: لا إله إلا الله وكذب الرسول، فهو كافر باتفاق المسلمين، وكذلك إن جحد شيئا مما أنزل الله، فلا بد من الإيمان بكل ما جاء به الرسول، ثم إن كان من أهل الكبائر فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فإن ارتد عن الإسلام ومات مرتدا كان في النار، فالسيئات تحبطها التوبة، والحسنات تحبطها الردة، ومن كان له حسنات وسيئات فإن الله لا يظلمه، بل من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، والله تعالى قد يتفضل عليه ويحسن إليه بمغفرته ورحمته، ومن مات على الإيمان فإنه لا يخلد في النار، فالزاني والسارق لا يخلد في النار، بل لا بد أن يدخل الجنة، فإن النار يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. انتهى.
وراجع الفتوى رقم: 13069.
وأما مسألة الاكتفاء في الإيمان بإيمان القلب دون الجوارح: فراجع فيها الفتويين رقم:: 17836، ورقم: 5398.
وأما اليزيديون ـ نسبة إلى فرقة اليزيدية ـ فمن مات منهم على معتقداتهم، فهو كافر مخلد في نار جهنم، وراجع الفتوى رقم: 32065، ففيها شيء عن نشأتهم ومعتقداتهم.
وأما كفر أبي لهب: فلا شك فيه، وقد نزلت فيه سورة تحكم بخسرانه وهلاكه وأنه سيصلى نارا ذات لهب، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره: قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ وَدَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ مُنْذُ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ـ فَأَخْبَرَ عَنْهُمَا بِالشَّقَاءِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ، لَمْ يُقَيِّضْ لَهُمَا أَنْ يُؤْمِنَا، وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، لَا مُسِرًّا وَلَا مُعْلِنًا، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ الْبَاهِرَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ. انتهى.
وقال السعدي في تفسيره: أبو لهب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شديد العداوة والأذية للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا فيه دين، ولا حمية للقرابة ـ قبحه الله ـ فذمه الله بهذا الذم العظيم، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة، فقال: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ـ أي: خسرت يداه، وشقي: وَتَبَّ ـ فلم يربح: مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ ـ الذي كان عنده وأطغاه، ولا ما كسبه فلم يرد عنه شيئًا من عذاب الله إذ نزل به: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ـ أي: ستحيط به النار من كل جانب. انتهى.
وراجع الفتوى رقم: 111166.
وأما قول الشيطان: إني أخاف الله ـ فقد ورد ذلك في سورة الحشر، قال الله تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ {الحشر: 16}.
قال الشيخ السعدي في تفسيره: ومثل هؤلاء المنافقين الذين غروا إخوانهم من أهل الكتاب: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإنْسَانِ اكْفُرْ ـ أي: زين له الكفر وحسنه ودعاه إليه، فلما اغتر به وكفر، وحصل له الشقاء، لم ينفعه الشيطان، الذي تولاه ودعاه إلى ما دعاه إليه، بل تبرأ منه و: قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ـ أي: ليس لي قدرة على دفع العذاب عنك، ولست بمغن عنك مثقال ذرة من الخير. انتهى.
وراجع هذه الفتوى: 40072.
وأما عن سبب خلود إبليس في النار: فهو الكفر، وكفره كان إباء واستكبارا كما أخبر الله تعالى، مع معرفته بالله ويقينه بوعيده، ومن كفره دعوة الناس إلى الشرك بالله.
وننصحك بعدم التعمق في مثل هذه الأمور، وإنما الواجب أن تطلب العلم من مصادره الأصلية النقية، حتى يشتد عودك، وبعدها ستجيب أنت عن مثل هذه الأسئلة.
والله أعلم.