عنوان الفتوى : الموقف الشرعي من إسبال الإزار
ما حكمة هذا الحديث: (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) لو كان للكبر والخيلاء.. ماذا لو كانت نيته ليست الكبر والافتخار بطول لبسه فهذا يجعلنا غير مقبولين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت الأحاديث الصحيحة في النهي عن الإسبال.. منها ما أخرجه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، قال أبو بكر: يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لست ممن يصنعه خيلاء.
وخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر من إزاره بطراً. وخرج أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار.
فاختلف العلماء رحمهم الله في هذه الأحاديث فمنهم من قال: يحمل المطلق على المقيد فيقيد حديث ما أسفل من الكعبين ففي النار بحديث من جر ثوبه خيلاء، فقال: إنما المحرم إذا كان للخيلاء.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري جـ10 صـ324: وفي هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، أما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضاً؛ لكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء.
قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد؛ إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال، وقال النووي رحمه الله: الإسبال تحت الكعبين للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه. وهكذا نص الشافعي على الفرق بين الجر للخيلاء ولغير الخيلاء، قال: المستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين، وما نزل عن الكعبين ممنوع منع تحريم إن كان للخيلاء؛ وإلا فمنع تنزيه لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة فيجب تقييدها بالإسبال للخيلاء. انتهى
والصحيح أن الإسبال محرم على كل حال سواء كان للخيلاء أ ولغير الخيلاء، ولا يمكن أن يحمل المطلق على المقيد هنا، وذلك لاختلاف السبب والحكم، وقد اتفق العلماء على أنه إذا اختلف الحكم والسبب فلا يحمل المطلق على المقيد كما نقل الاتفاق الشوكاني في الإرشاد، واختلاف السبب والحكم هنا ظاهر، أما اختلاف الحكم ففي حديث ابن عمر الوعيد بعدم نظر الله إليه، وفي حديث أبي هريرة الوعيد بدخول النار.
وأما اختلاف السبب ففي حديث ابن عمر سبب الوعيد الخيلاء، وفي حديث أبي هريرة سببه كونه أسفل الكعبين، فيكون الوعيد متناولاً من جره خيلاء أو لغير خيلاء.
وهذا مع ما في جره من محاذير أخرى:
1- منها أن جره فيه تشبه بالنساء في كونهن مأمورات بجر أذيالهن، وقد صحح الحاكم من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الرجل يلبس لبسة المرأة.
2- ومنها أن لابسه لا يأمن تعلق النجاسة به: وفي قصة قتل عمر أنه قال للشاب الذي دخل عليه: ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.
3- ومنها إن الإسبال مظنة الخيلاء، قال ابن العربي رحمه الله: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول: لا أجره خيلاء لأن النهي قد تناوله، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكما أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيّ.. فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره.
قال ابن حجر رحمه الله: وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد اللابس الخيلاء. ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه: وإياك وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لست ممن يصنعه خيلاء فليس فيه دليل على أنه إذا كان لغير الخيلاء جاز لأن أبا بكر لم يقصد جر الإزار لأنه كان كلما استرخى تعاهده كما في الحديث، وانظر الفتوى رقم: 21266.
والله أعلم.