عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في فسخ عقد المسابقة قبل الشروع وبعده

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا فتاة لدي موقع على الأنترنت أبيع من خلاله أشغالي اليدوية، وقد أقمت قبل فترة مسابقة بسيطة ووضعت جائزة إحدى مشغولاتي للفائز أو الفائزة وكنت قد اشترطت منذ البداية أن يكون عدد المشتركين كبيرا إلى حد ما، مع العلم أنني لم أقم بتحديد العدد ووضعت مدة لها حوالي شهر ونصف، فلم يشترك فيها سوى ثلاثة أشخاص، وقد مضى أكثر من أسبوعين على بدء المسابقة، فهل يحقّ لي إلغاؤها قبل انقضاء المهلة؟ أم يجب علي إعادة إقامتها؟ سمعت اعتراضا من إحدى المشتركات وقد استدلت بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: أن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه... فهل علي إثم؟.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن جمهور العلماء على أن المسابقات بعوض لا تجوز إلا فيما ورد به النص، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر. أخرجه أبو داود، وابن حبان في صحيحه.

وخالفهم الحنفية، فألحقوا بها المسابقة في العلوم الشرعية، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 35555.

وهناك قول آخر بعدم تحريم المسابقات بعوض في المسابقات الجائزة التي في معنى ما ورد به النص إذا كان الباذل من غير المتسابقين، جاء في الشرح الكبير للدرديروجازت المسابقة بغيره ـ أي بغير الجعل ـ بأن تكون مجانا مطلقا، وجاز السبق فيما عداه ـ أي ما ذكر من الأمور الثلاثة ـ وهي الخيل من الجانبين، أو الإبل كذلك، والخيل مع الإبل، كالسفن والطير، لإيصال الخبر بسرعة والجري على الأقدام لذلك، والرجم بالأحجار، والصراع مما ينتفع به في نكاية العدو، لا للمغالبة كما يفعله أهل الفسوق واللهو، حال كون ذلك مجانا، بغير جعل، وإلا منع. اهـ. 

قال الدسوقي في حاشيته: قوله: وإلا منع ـ أي حرم ـ وقيل إنه يكره، وقد حكى الزناتي قولين بالكراهة والحرمة فيمن تطوع بإخراج شيء للمتصارعين أو المتسابقين على أرجلهما أو على حماريهما أو غير ذلك مما لم يرد فيه نص السنة. اهـ.

وفي حال كون المسابقة جائزة فلا يجوز لباذل العوض الرجوع عنه بعد شروع المتسابق في المسابقة، وقيل: بل لا يجوز له الرجوع مطلقا، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الحنفية والحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية إلى أن عقد المسابقة عقد جائز كعقد الجعالة، لأن العوض مبذول في مقابلة ما لا يوثق به كرد الآبق، فعلى هذا لكل واحد من المتعاقدين الفسخ قبل الشروع في المسابقة، قال في المغني: وإن أراد أحدهما الزيادة فيها أو النقصان منها لم يلزم الآخر إجابته، وأما بعد الشروع في المسابقة، فإن كان لم يظهر لأحدهما فضل على الآخر جاز الفسخ لكل واحد منهما وإن ظهر لأحدهما فضل مثل أن يسبقه بفرسه في بعض المسابقة أو يصيب بسهامه أكثر منه فللفاضل الفسخ، ولا يجوز للمفضول، لأنه لو جاز له ذلك لفات غرض المسابقة، لأنه متى بان له سبق صاحبه له فسخها وترك المسابقة، فلا يحصل المقصود، وقال المالكية: عقد المسابقة لازم ليس لأحد المتسابقين فسخه إلا برضاهما، وذهب الشافعية في الأظهر عندهم إلى أن عقد المسابقة لازم لمن التزم بالعوض، أما من لم يلتزم شيئا فجائز في حقه، وعلى القول باللزوم فليس لأحدهما فسخه إذا التزما المال وبينهما محلل، لأن هذا شأن العقود اللازمة، إلا إذا بان بالعوض المعين عيب فيثبت حق الفسخ؛ كما في الأجرة. اهـ.

فالحاصل: أنه إذا كانت المسابقة التي أقمتها من النوع الجائز بذل العوض فيها فلا يجوز لك الرجوع عنها بعد شروع المتسابقين في المسابقة، وأما اشتراطك لبذل العوض بلوغ المشتركين عددا كبيرا خلال مدة معينة: فلا يجيز لك الرجوع عن المسابقة بعد شروع المتسابقين فيها قبل انتهاء تلك المدة، لكن إذا انتهت المدة ولم يتحقق العدد المطلوب الذي اشترطته فلا يلزمك بذل العوض، فالقاعدة: أن الشروط التي لا تخالف الشرع يصح في جميع العقود، قال ابن تيمية: وتصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود. اهـ.

وأما إن كانت المسابقة مما لا يجوز بذل العوض فيها، فعقد المسابقة غير صحيح أصلا.

والله أعلم.