عنوان الفتوى : حالات تعين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والموازنة بين نصح المسلم ودعوة الكافر
المسلمون في هذا الزمان غير ملتزمين بأمورهم الشرعية كما ينبغي، فهل أصبح نصح المسلمين الآن من الفرض على كل مسلم؟ وهل دعوة غير المسلمين على ما هم فيه من حال الآن أولى من نصح المسلمين الآن؟ وهل نصح المسلمين في الدول الإسلامية أولى من نصح المسلمين في غيرها؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن النصح للمسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية, ولا يتعين إلا عند عدم من يقوم به من الناس، ويستوي في ذلك حال المسلم ببلاد الإسلام وبلاد الكفر، ويدل للوجوب قول الله سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104}.
وقوله عليه الصلاة والسلام: الدين النصيحة. رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم عن أبي سعيد.
وقول جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. متفق عليه.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. اهـ.
وأما دعوة غير المسلمين: فهي واجبة، ولا يستحيل الجمع بينها وبين دعوة المسلمين ونصحهم، فإن الحفاظ على إيمان واستقامة المسلمين مطلوب مثل مطلوبية إسلام الكفار ودخولهم في الدين. وعليه؛ فالأولى الجمع بين الأمرين كما كان حال موسى ـ عليه السلام ـ فقد أرسله الله لهداية فرعون وقومه الكفار، ولهداية ونصح بني إسرائيل المسلمين، كما قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {إبراهيم:5}.
وقال تعالى: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {الأعراف:103}.
وقال تعالى: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى {طه:24}.
ولو افترضنا أنه تزاحم الأمران فوجدنا عاصيا مسلما ومشركا فينبغي الاجتهاد في أعظم المصلحتين، فقد تكون دعوة الكافر مقدمة لعظم خطر حال الشرك فهو أعظم الذنوب، كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك..
فدعوة الكافر إن رجيت استجابته للإسلام أولى، لئلا يموت فيخلد في النار، وإن لم ترج استجابته لما علم من إصراره على الضلال فدعوة المسلم ونصحه ونهيه عن المنكر أولى.
والله أعلم.