عنوان الفتوى : أقوال العلماء في بيع البراءة
عبد الفتاح ولد اباه والحاج ولد سيد محمد باع كل منهما سيارة للآخر وكانت صيغة البيع كالتالي: كل منا داخل على عيوب سيارة الآخر. مع أن سيارة الحاج ليست موجودة في البلد وأوراقها ضائعة، ولم يكن لعبد الفتاح علم بشيء من ذلك وقت البيع، وعلم بعد البيع بذلك، وبعد استلام مندوب عبد الفتاح لها باعها عبد الفتاح لشخص آخر -بعد علمه بأن السيارة لا أوراق لها وهو الشيخ التراد واستلمها مندوب الشيخ التراد وطلب التراد من عبد الفتاح إصدار أوراق والتزم عبد الفتاح بذلك، وبعد مدة أبلغ مندوب عبد الفتاح عبد الفتاح أن الأوراق صعبة فعاد عبد الفتاح للحاج فاتصل الحاج بمندوبه فتحرك مندوبه للبحث عن الأوراق ووجدها صعبة جداً -وما زال يحاولها- عندها أخبر الشيخ التراد عبد الفتاح أنه لا حاجة له في السيارة والسبب تأخر الأوراق، علما أن السيارة مكثت عند الشيخ التراد شهراً وأبلغنا أنها دعمت دعمة خفيفة عنده وتكلف فيها بعض المال في الأوراق، وهو لا يريد منه شيئاً، وكذلك عبد الفتاح سيارته التي باع للحاج كان يستعملها الحاج ومازال، وسيارة الحاج التي في موريتانيا أبلغني صاحبها أنها متوقفة عن العمل تماماً بسبب الأوراق، ونحن الآن نريد الحكم الشرعي في هذه المسألة، لأن الشيخ التراد يريد إرجاع السيارة وعبد الفتاح يريد إرجاع السيارة للحاج وأخذ سيارته والحاج يرفض إرجاع البيع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه العملية داخلة في بيع البراءة الذي ذكره الفقهاء، والذي ذهب أكثرهم إلى عدم لزومه في الجملة.
وعليه؛ فمن اشترى سيارة واشترط عليه بائعها عدم الرد عليه بما سيطلع عليه فيها من العيوب القديمة، فإن له الحق بالقيام بالرد بسبب ما اطلع عليه فيها من عيوب قديمة، ولا أثر للشرط، هذا هو محصل كلام المالكية والشافعية والحنابلة في هذه المسألة، قال الشيخ عليش وهو مالكي في كتابه فتح العلي المالك: إذا اشترط البائع على المشتري في عقدة البيع أنه لا يرد المبيع بما يظهر فيه من العيوب القديمة فإن البيع صحيح، ويبطل الشرط .
وقال صاحب روض الطالب -وهو شافعي- في معرض كلامه على هذا الموضوع : يصح البيع ولو بطل الشرط .
وقال صاحب متن الإقناع-وهو حنبلي- : وإن باع سلعة واشترط البراءة من كل عيب.... فالشرط فاسد لا يبرأ به سواء كان العيب ظاهراً ولم يعلمه المشتري أو باطناً .
والحجة لهؤلاء في صحة البيع بالبراءة مع عدم لزومه هو ما رواه الإمام مالك في الموطإ من أن عبد الله بن عمر باع غلاماً له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر بالغلام داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل: باعني عبداً وبه داء لم يسمه، وقال عبد الله :بعته بالبراءة، فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد، وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد فصح عنده، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم.
وإذا تقرر هذا.. فإنا نرى أن شراء السيد عبد الفتاح للسيارة المذكورة، والتي اطلع على كونها فاقدة الأوراق -وهذا أمر لا يقل عن العيب- غير لازم، وأن له القيام بردها أو أخذ تعويض عن أوراقها، وهذا إذا لم يصدر من عبد الفتاح تصرف يقتضي رضاه بهذا العيب بعد علمه به.
أما إذا تصرف في السيارة ببيع أو غيره، وهو يعلم أنها لا أوراق لها كما ذكر، فإنه يلزمه الشراء، ولا رجوع له على البائع، وذلك لتوافر النصوص الدالة على أن من موانع الرد بالعيب ظهور ما يدل على الرضى به من قول أو فعل أو سكوت.
وقد لخص بعض علماء المالكية مسألة استعمال المعيب من طرف المشتري فقال:
ذو العيب حيث مشتريه استعملا ==== قبل اطلاعه يرد مسجــلا
وإن يك استعمل بعــدما اطلـع ==== وقبل ما خاصم فالرد امتنـع
وهذا الأخير هو محل الشاهد.
والله أعلم.