عنوان الفتوى : الخارج من المدينة المنورة الذي يلحقه الذم، والمفاضلة بينها وبين مكة المكرمة
أنا من مواليد المدينة المنورة وعند تخرجي من دورة تأهيل في عملي عينت في جدة مع أنني طلبت التعيين في المدينة ولم يتيسر لي ذلك وقد انتقلت عائلتي بالكامل ـ من أم وأب وإخوة ـ بسبب ظروف أخرى بعد ذلك بسنتين إلى مكة المكرمة واستقر بنا المقام بها ونقلت من جدة إلى مكة، فهل ينطبق علينا حديث: إن المدينة تنفي خبثها؟ وأيهما أفضل: المقام في مكة أم المدينة؟. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يكن خروجكم من المدينة رغبة عنها كارهين لها، فلا ينطبق عليكم الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيِّ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَجَاءَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا المَدِينَةُ كَالكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا.
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي عند هذا الحديث: وقال ابن الْمُنيرِ: ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ ذَمُّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَسَكَنُوا غَيْرَهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْفُضَلَاءِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَذْمُومَ مَنْ خَرَجَ عَنْهَا كَرَاهَةً فِيهَا وَرَغْبَةً عَنْهَا كَمَا فَعَلَ الْأَعْرَابِيُّ الْمَذْكُورُ، وَأَمَّا الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ فَإِنَّمَا خَرَجُوا لِمَقَاصِدَ صَحِيحَةٍ كَنَشْرِ الْعِلْمِ وَفَتْحِ بِلَادِ الشِّرْكِ وَالْمُرَابَطَةِ فِي الثُّغُورِ وَجِهَادِ الْأَعْدَاءِ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى اعْتِقَادِ فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَفَضْلِ سُكْنَاهَا. انتهى.
وروى البخاري ومسلم عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: تُفْتَحُ اليَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ العِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في فتح الباري: وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَارِجُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا كَارِهِينَ لَهَا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ. انتهى.
وأما المفاضلة بين مكة المكرمة والمدينة النبوية، فقد اختلف أهل العلم في أيهما أفضل، فذهب الجمهور إلى أن مكة أفضل، وذهب المالكية في المشهور عنهم إلى أن المدينة أفضل، وقد جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الجمهور إلى تفضيل مكة على المدينة، وتفضيل المسجد الحرام على المسجد النبوي، وذهب الإمام مالك إلى تفضيل المدينة المنورة على مكة المكرمة، وتفضيل المسجد النبوي على المسجد الحرام، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 120606، ورقم: 187817.
والله أعلم.