عنوان الفتوى : ماهية الحدث الذي يُلعَن فاعله في المدينة
سمعت أن من أذنب في حرم المدينة المنورة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, فهل يدخل في ذلك كل معصية صغيرة كانت أو كبيرة؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشرت إليه رواه البخاري ومسلم من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل.
وليس المقصود بالإحداث هنا كل المعاصي الصغائر والكبائر، كما ذكر الشيخ ابن عثيمين، وإنما ذلك مختص بنوعين من الإحداث، وهما إحداث البدع، وإحداث الفتن بين المسلمين، فقد قال ـ رحمه الله ـ في شرح رياض الصالحين: والحدث هنا يراد به شيئان:
الأول: البدعة، فمن ابتدع فيها بدعة فقد أحدث فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ـ فمن أحدث فيها حدثا ـ أي ابتدع في دين الله ما لم يشرعه الله في المدينة ـ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، يعني استحق أن يلعنه كل لاعن والعياذ بالله، لأن المدينة مدينة السنة، مدينة النبوة، فكيف يحدث فيها حدث مضاد لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والنوع الثاني من الحدث: الفتنة: أن يحدث فيها فتنة بين المسلمين، سواء أدت إلى إراقة الدماء أو إلى ما دون ذلك من العداوة والبغضاء والتشتت، فإن من أحدث هذا الحدث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، أما من أحدث معصية عصى الله فيها في المدينة، فإنه لا ينطبق عليه هذا الوعيد، بل يقال إن السيئة في المدينة أعظم من السيئة فيما دونها ولكن صاحبها لا يستحق اللعن، الذي يستحق اللعن هو الذي أحدث فيها واحدا من أمرين: إما بدعة، وإما فتنة، هذا عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. انتهى.
ولعل ما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ هو ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله عن هذا الحديث: وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا بِدْعَةً تُخَالِفُ مَا قَدْ سُنَّ وَشُرِعَ، وَيُقَالُ لِلْجَرَائِمِ: الْأَحْدَاثُ. انتهى.
وفي هذا الحديث أقوال أخرى انظر بعضها في الفتوى رقم: 57729.
والله أعلم.