عنوان الفتوى : دلالة قول: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، والبديل المفضل
ما مدى صحة مقولة: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه, وكيف تتفق هذه المقولة مع ما ورد في الآيات الكريمات ...(156/البقرة) و(173: آل عمران) (18: يوسف) وما صح من الأحاديث الشريفة التي في آخرها: فلا يلومن إلا نفسه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعبارة: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، لا نعلم مانعاً من استعمالها، إلا أن الأفضل أن يقول العبد إذا رأى ما يكره: الحمد لله على كل حال؛ لأن ذلك هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه ابن ماجه وغيره.
وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- أن الحمد بهذه العبارة حمد ناقص، وذكر أنه لا ينبغي التعبير بها؛ لما يدل على قلة الصبر أو عدم كماله.
فقال -رحمه الله- في شرح رياض الصالحين: إن ها هنا كلمة شاعت أخيراً عند كثير من الناس وهي قولهم: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. هذا حمد ناقص؛ لأن قولك: على مكروه سواه تعبير يدل على قلة الصبر، أو على الأقل على عدم كمال الصبر، وأنك كاره لهذا الشيء، ولا ينبغي للإنسان أن يعبر هذا التعبير، بل ينبغي له أن يعبر بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعبر به فيقول: الحمد لله على كل حال. أو يقول: الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه. أما التعبير الأول فإنه تعبير واضح على مضادة ما أصابه من الله عز وجل وأنه كاره له، وأنا لا أقول إن الإنسان لا يكره ما أصابه من البلاء، بطبيعة الإنسان أن يكره ذلك، لكن لا تعلن هذا بلسانك في مقام الثناء على الله، بل عبر كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وبهذا الاعتبار الذي ذكره الشيخ فمن كانت هذه حاله من قلة الصبر، فلا شك أنه أقل مرتبة ممن قال الله فيهم: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) البقرة. وقال: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران. وقال: ... فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) يوسف.
وكذلك من كانت حاله من قلة الصبر، فإنه يلوم غيره عما أصابه مما اقترفت يداه، بل الواجب عليه أن يصبر على المصيبة التي أصيب بها بسبب ذنبه، وأن يرجع إلى الله فيتوب إليه، ويستغفره من ذنبه.
فقد روى مسلم من حديث أبي ذر- رضي الله عنه- والذي في آخره قوله صلى الله عليه وسلم: فمن وجد خيراً، فليحمدِ الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك، فلا يلومنَّ إلاَّ نفسَه.
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: إنْ كان المرادُ: مَنْ وجدَ ذلك في الدُّنيا، فإنَّه يكونُ حينئذٍ مأموراً بالحمد لله على ما وجده من جزاءِ الأعمال الصالحة الذي عجل له في الدُّنيا، كما قال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ويكون مأموراً بلوم نفسه على ما فَعَلَتْ من الذُّنوب التي وجد عاقبتها في الدنيا، كما قال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فالمؤمن إذا أصابه في الدُّنيا بلاءٌ، رجع على نفسه باللوم، ودعاه ذلك إلى الرجوع إلى الله بالتوبة والاستغفار، وفي " المسند " و" سنن أبي داود " عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ المؤمنَ إذا أصابه سَقَمٌ، ثمَّ عافاه الله منه، كان كفَّارةً لما مضى مِنْ ذُنوبه، وموعظةً له فيما يستقبلُ من عمره، وإنَّ المنافق إذا مرض وعوفي، كان كالبعيرِ عَقَلَه أهلُه، وأطلقوه، لا يدري لِمَ عقلوه ولا لِمَ أطلقوه)). انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 13408، 72451، 142203.
والله أعلم.